باب مسح الرأس كله لقول الله تعالى وامسحوا برءوسكم وقال ابن المسيب المرأة بمنزلة الرجل تمسح على رأسها وسئل مالك أيجزئ أن يمسح بعض الرأس فاحتج بحديث nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد
قوله ( باب مسح الرأس كله ) كذا لأكثرهم وسقط لفظ " كله " للمستملي .
قوله : ( وقال ابن المسيب ) أي : سعيد ، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بلفظ " الرجل والمرأة في المسح سواء " ونقل عن أحمد أنه قال : يكفي المرأة مسح مقدم رأسها .
قوله : ( وسئل مالك ) السائل له عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع ، بينه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في صحيحه من طريقه ولفظه : سألت nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك ؟ فقال : حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه عبد الله بن زيد فقال " nindex.php?page=hadith&LINKID=883677مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وضوئه من ناصيته إلى قفاه ، ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله " . وهذا السياق أصرح للترجمة من الذي ساقه المصنف قبل ، وموضع الدلالة من الحديث والآية أن لفظ الآية مجمل ; لأنه يحتمل أن يراد منها مسح الكل على أن الباء زائدة ، أو مسح البعض على أنها تبعيضية ، فتبين بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المراد الأول ، ولم ينقل عنه أنه مسح [ ص: 348 ] بعض رأسه إلا في حديث المغيرة أنه مسح على ناصيته وعمامته ، فإن ذلك دل على أن التعميم ليس بفرض >[1] ، فعلى هذا فالإجمال في المسند إليه لا في الأصل .
قوله : ( عن أبيه ) أي : أبي عثمان يحيى بن عمارة أي : ابن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو ، ولجده أبي حسن صحبة ، وكذا لعمارة فيما جزم به nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر . وقال أبو نعيم : فيه نظر . والإسناد كله مدنيون إلا عبد الله بن يوسف وقد دخلها .
قوله : ( أن رجلا ) هو عمرو بن أبي حسن كما سماه المصنف في الحديث الذي بعد هذا من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى ، وعلى هذا فقوله هنا " وهو جد عمرو بن يحيى " فيه تجوز ; لأنه عم أبيه ، وسماه جدا لكونه في منزلته ، ووهم من زعم أن المراد بقوله " وهو " nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ; لأنه ليس جدا لعمرو بن يحيى لا حقيقة ولا مجازا .
وأما قول صاحب الكمال ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحيى أنه ابن بنت nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد فغلط توهمه من هذه الرواية ، وقد ذكر ابن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميدة بنت محمد بن إياس بن البكير ، وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية فالله أعلم .
وقد اختلف رواة الموطأ في تعيين هذا السائل ، وأما أكثرهم فأبهمه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى : إنه سمع أبا حسن - وهو جد عمرو بن يحيى - قال لعبد الله بن زيد وكان من الصحابة . . . فذكر الحديث . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن الشيباني عن مالك : حدثنا عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد . وكذا ساقه سحنون في المدونة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : عن مالك عن عمرو عن أبيه إنه قال لعبد الله بن زيد . ومثله رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي عن مالك عن عمرو عن أبيه قال : قلت . . والذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال : اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى بن عمارة بن أبي حسن فسألوه عن صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن ، فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة .
ويؤيده رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور قال : حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال : كان عمي يعني عمرو بن أبي حسن يكثر الوضوء ، فقال لعبد الله بن زيد أخبرني . فذكره . وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر وكان حاضرا . وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال .
ووقع في رواية مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد الواسطي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد قال " قيل له توضأ لنا " فذكره مبهما . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد المذكور بلفظ " قلنا له " ، وهذا يؤيد الجمع المتقدم من كونهم اتفقوا على سؤاله ; لكن متولي السؤال منهم عمرو بن أبي حسن .
ويزيد ذلك وضوحا رواية الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه عمرو بن أبي حسن قال " كنت كثير الوضوء ، فقلت لعبد الله بن زيد " فذكر الحديث . أخرجه أبو نعيم في المستخرج ، والله أعلم .
[ ص: 349 ] قوله : ( أتستطيع ) فيه ملاطفة الطالب للشيخ ، وكأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم ، وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون الشيخ نسي ذلك لبعد العهد .
قوله : ( فدعا بماء ) وفي رواية وهب في الباب الذي بعده " فدعا بتور من ماء " . والتور بمثناة مفتوحة قال الداودي : قدح . وقال الجوهري : إناء يشرب منه . وقيل هو الطست ، وقيل يشبه الطست ، وقيل هو مثل القدر يكون من صفر أو حجارة . وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عند المصنف في باب الغسل في المخضب في أول هذا الحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=883678أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجنا له ماء في تور من صفر " والصفر بضم المهملة وإسكان الفاء وقد تكسر صنف من حديد النحاس ، قيل : إنه سمي بذلك لكونه يشبه الذهب ، ويسمى أيضا الشبه بفتح المعجمة والموحدة . والتور المذكور يحتمل أن يكون هو الذي توضأ منه nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد إذ سئل عن صفة الوضوء فيكون أبلغ في حكاية صورة الحال على وجهها .
قوله : ( فأفرغ ) وفي رواية موسى عن وهيب " فأكفأ " بهمزتين ، وفي رواية سليمان بن حرب في باب مسح الرأس مرة عن وهيب " فكفأ " بفتح الكاف ، وهما لغتان بمعنى يقال كفأ الإناء وأكفأ إذا أماله ، وقال الكسائي كفأت الإناء كببته وأكفأته أملته ، والمراد في الموضعين إفراغ الماء من الإناء على اليد كما صرح به في رواية مالك .
قوله : ( فغسل يده مرتين ) كذا في رواية مالك بإفراد يده ، وفي رواية وهيب nindex.php?page=showalam&ids=16036وسليمان بن بلال عند المصنف وكذا للدراوردي عند أبي نعيم " فغسل يديه " بالتثنية ، فيحمل الإفراد في رواية مالك على الجنس ، وعند مالك " مرتين " ، وعند هؤلاء " ثلاثا " ، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=15800لخالد بن عبد الله عند مسلم ، وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا فزيادتهم مقدمة على الحافظ الواحد ، وقد ذكر مسلم من طريق بهز عن وهيب أنه سمع هذا الحديث مرتين من عمرو بن يحيى إملاء ، فتأكد ترجيح روايته ، ولا يقال يحمل على واقعتين لأنا نقول : المخرج متحد والأصل عدم التعدد .
قوله : ( ثم تمضمض واستنثر ) ، nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني " مضمض واستنشق " والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس ، وقد ذكر في رواية وهيب الثلاثة وزاد بعد قوله ثلاثا " بثلاث غرفات " ; واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله الآتية بعد قليل " مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا " وهو صريح في الجمع كل مرة ، بخلاف رواية وهيب فإنه تطرقها احتمال التوزيع بلا تسوية كما نبه عليه ابن دقيق العيد .
ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور " فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة " واستدل بها على الجمع بغرفة واحدة ، وفيه نظر لما أشرنا إليه من اتحاد المخرج فتقدم الزيادة ، ولمسلم من رواية خالد المذكورة " ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض " فاستدل بها على تقديم المضمضة على الاستنشاق لكونه عطفا بالفاء التعقيبية وفيه بحث .
قوله : ( ثم غسل وجهه ثلاثا ) لم تختلف الروايات في ذلك ، ويلزم من استدل بهذا الحديث على وجوب [ ص: 350 ] تعميم الرأس بالمسح أن يستدل به على وجوب الترتيب للإتيان بقوله " ثم " في الجميع ; لأن كلا من الحكمين مجمل في الآية بينته السنة بالفعل .
قوله : ( ثم غسل يديه مرتين مرتين ) كذا بتكرار مرتين ، ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين ، لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ وفيه : " ويده اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا " فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد .
قوله : ( إلى المرفقين ) كذا للأكثر وللمستملي والحموي إلى المرفقين بالإفراد على إرادة الجنس ، وقد اختلف العلماء : هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا ؟ فقال المعظم : نعم ، وخالف زفر ، وحكاه بعضهم عن مالك ، واحتج بعضهم للجمهور بأن " إلى " في الآية بمعنى " مع " كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ، وتعقب بأنه خلاف الظاهر ، وأجيب بأن القرينة دلت عليه وهي كون ما بعد " إلى " من جنس ما قبلها . وقالابن القصار : اليد يتناولها الاسم إلى الإبط لحديث عمار " أنه تيمم إلى الإبط " وهو من أهل اللغة ، فلما جاء قوله تعالى إلى المرافق بقي المرفق مغسولا مع الذراعين بحق الاسم ، انتهى .
فعلى هذا فإلى هنا حد للمتروك من غسل اليدين لا للمغسول ، وفي كون ذلك ظاهرا من السياق نظر ، والله أعلم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لفظ إلى يفيد معنى الغاية مطلقا ، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل ، فقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل دليل عدم دخول النهي عن الوصال ، وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول كون الكلام مسوقا لحفظ جميع القرآن ، وقوله تعالى إلى المرافق لا دليل فيه على أحد الأمرين ، قال : فأخذ العلماء بالاحتياط ووقف زفر مع المتيقن ، انتهى .
ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله - صلى الله عليه وسلم - ففي nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء " فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين " وفيه عن جابر قال nindex.php?page=hadith&LINKID=883679 " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه " لكن إسناده ضعيف >[2] وفي البزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر في صفة الوضوء " وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق " وفي nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا " ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه " فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا . قال إسحاق بن راهويه : " إلى " في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى مع ، فبينت السنة أنها بمعنى مع ، انتهى .
وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء ، فعلى هذا nindex.php?page=showalam&ids=15922فزفر محجوج بالإجماع قبله وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده ، ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا وإنما حكى عنه أشهب كلاما محتملا . والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو العظم الناتئ في آخر الذراع سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه .
قوله : ( ثم مسح رأسه ) زاد ابن الطباع " كله " كما تقدم عن رواية nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله برأسه بزيادة الباء . قال القرطبي : الباء للتعدية يجوز حذفها وإثباتها كقولك مسحت رأس اليتيم [ ص: 351 ] ومسحت برأسه . وقيل دخلت الباء لتفيد معنى آخر وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولا به ، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به ، فلو قال وامسحوا رءوسكم لأجزأ المسح باليد بغير ماء ، فكأنه قال وامسحوا برءوسكم الماء فهو على القلب ، والتقدير امسحوا رءوسكم بالماء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : احتمل قوله تعالى : وامسحوا برءوسكم جميع الرأس أو بعضه ، فدلت السنة على أن بعضه يجزئ . والفرق بينه وبين قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم في التيمم أن المسح فيه بدل عن الغسل ومسح الرأس أصل فافترقا ، ولا يرد كون مسح الخف بدلا عن غسل الرجل لأن الرخصة فيه ثبتت بالإجماع . فإن قيل : فلعله اقتصر على مسح الناصية لعذر - لأنه كان في سفر وهو مظنة العذر ، ولهذا مسح على العمامة بعد مسح الناصية كما هو ظاهر من سياق مسلم في حديث المغيرة بن شعبة - قلنا : قد روي عنه مسح مقدم الرأس من غير مسح على العمامة ولا تعرض لسفر ، وهو ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من حديث عطاء nindex.php?page=hadith&LINKID=883680أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه ، وهو مرسل لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حديث أنس . وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله ، فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر ، وحصلت القوة من الصورة المجموعة ، وهذا مثال لما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند ، وظهر بهذا جواب من أورد أن الحجة حينئذ بالمسند فيقع المرسل لغوا ، وقد قررت جواب ذلك فيما كتبته على علوم الحديث nindex.php?page=showalam&ids=12795لابن الصلاح .
وفي الباب أيضا عن عثمان في صفة الوضوء قال nindex.php?page=hadith&LINKID=883681 " ومسح مقدم رأسه " أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه . وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس ، قاله ابن المنذر وغيره ، ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم . وهذا كله مما يقوى به المرسل المتقدم ذكره والله أعلم .
قوله : ( بدأ بمقدم رأسه ) الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك ، ففيه حجة على من قال : السنة أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر قوله " أقبل وأدبر " . ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب ، وسيأتي عند المصنف قريبا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال " فأدبر بيديه وأقبل " فلم يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية ، ولم يعين ما أقبل إليه ولا ما أدبر عنه ، ومخرج الطريقين متحد ، فهما بمعنى واحد .
وعينت رواية مالك البداءة بالمقدم فيحمل قوله " أقبل " على أنه من تسمية الفعل بابتدائه ، أي : بدأ بقبل الرأس ، وقيل في توجيهه غير ذلك . والحكمة في هذا الإقبال والإدبار استيعاب جهتي الرأس بالمسح ، فعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر ، والمشهور عمن أوجب التعميم أن الأولى واجبة والثانية سنة ، ومن هنا يتبين ضعف الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التعميم ، والله أعلم
قوله : ( ثم غسل رجليه ) زاد في رواية وهيب الآتية " إلى الكعبين " والبحث فيه كالبحث في قوله إلى المرفقين ، والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم ، وحكى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك ، وروي عن ابن القاسم عن مالك مثله ، والأول هو الصحيح الذي يعرفه أهل اللغة ، وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك ، ومن أوضح الأدلة فيه حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة " فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه " وقيل إن محمدا إنما رأى ذلك في حديث قطع المحرم الخفين إلى الكعبين إذا لم يجد النعلين .
وفي هذا الحديث [ ص: 352 ] من الفوائد الإفراغ على اليدين معا في ابتداء الوضوء ، وأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث ، وفيه مجيء الإمام إلى بيت بعض رعيته وابتداؤهم إياه بما يظنون أن له به حاجة ، وجواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهة ، والتعليم بالفعل ، وأن الاغتراف من الماء القليل للتطهر لا يصير الماء مستعملا لقوله في رواية وهيب وغيره " ثم أدخل يده فغسل وجهه . . . إلخ " ، وأما اشتراط نية الاغتراف فليس في هذا الحديث ما يثبتها ولا ما ينفيها ، واستدل به أبو عوانة في صحيحه على جواز التطهر بالماء المستعمل ، وتوجيهه أن النية لم تذكر فيه ، وقد أدخل يده للاغتراف بعد غسل الوجه وهو وقت غسلها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : مجرد الاغتراف لا يصير الماء مستعملا لأن الاستعمال إنما يقع من المغترف منه ، وبهذا قطع البغوي .
واستدل به المصنف على استيعاب مسح الرأس ، وقد قدمنا أنه يدل لذلك ندبا لا فرضا ، وعلى أنه لا يندب تكريره كما سيأتي في باب مفرد ، وعلى الجمع بين المضمضة والاستنشاق من غرفة كما سيأتي أيضا ، وعلى جواز التطهر من آنية النحاس وغيره .