قوله : ( باب في المكاتب ) كذا لأبي ذر ، ولغيره " كتاب المكاتب " ؛ وأثبتوا كلهم البسملة . والمكاتب بالفتح من تقع له الكتابة وبالكسر من تقع منه ، وكاف الكتابة تكسر وتفتح كعين العتاقة ، قال الراغب : اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ، ومنه قوله تعالى : كتب عليكم الصيام - إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أو بمعنى جمع وضم ، ومنه كتبت الخط ، وعلى الأول تكون مأخوذة من معنى الالتزام ، وعلى الثاني تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا .
قال الروياني : الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية ، كذا قال وكلام غيره يأباه ، ومنه قول ابن التين : كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في كلامه على حديث بريرة : قيل إن بريرة أول مكاتبة في الإسلام ، وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة ، وأول من كوتب من الرجال في الإسلام سلمان ، وقد تقدم ذكر ذلك في البيوع في " باب البيع والشراء مع المشركين " .
وحكى ابن التين أن أول من كوتب أبو المؤمل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أعينوه ، وأول من كوتب من النساء بريرة كما سيأتي حديثها في هذه الأبواب ، وأول من كوتب بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو أمية مولى عمر ، ثم سيرين مولى أنس . واختلف في تعريف الكتابة ، وأحسنه : تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة . والكتابة خارجة عن القياس عند من يقول إن العبد لا يملك ، وهي لازمة من جهة السيد إلا إن عجز العبد ، وجائزة له على الراجح من أقوال العلماء فيها .
باب إثم من قذف مملوكه . قوله : ( باب إثم من قذف مملوكه ) كذا للجميع هنا إلا النسفي و أبا ذر ، ولم يذكر من أثبت هذه الترجمة فيها حديثا ، ولا أعرف لدخولها في أبواب المكاتب معنى . ثم وجدتها في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13265أبي علي بن شبويه مقدمة قبل كتاب المكاتب فهذا هو المتجه ، وعلى هذا فكان المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليكتب فيها الحديث الوارد في ذلك فلم يكتب كما وقع له في غيرها . وقد ترجم في كتاب الحدود " باب قذف العبد " أورد فيه حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=887913من قذف مملوكه - وهو بريء مما قال - جلد يوم القيامة " الحديث ، فلعله أشار بذلك إلى أنه يدخل في هذه الأبواب . [ ص: 219 ] قوله : ( باب المكاتب ونجومه ) في كل سنة نجم ، وقوله تعالى : والذين يبتغون الكتاب الآية ساقوها إلى قوله : الذي آتاكم إلا النسفي فقال بعد قوله في كل سنة وآتوهم من مال الله الذي آتاكم . ونجم الكتابة هو القدر المعين الذي يؤديه المكاتب في وقت معين ، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم والمنازل لكونهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم : إذا طلع النجم الفلاني أديت حقك ، فسميت الأوقات نجوما بذلك ، ثم سمي المؤدى في الوقت نجما .
وعرف من الترجمة اشتراط التأجيل في الكتابة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقوفا مع التسمية بناء على أن الكتابة مشتقة من الضم ، وهو ضم بعض النجوم إلى بعض ، وأقل ما يحصل به الضم نجمان ، وبأنه أمكن لتحصيل القدرة على الأداء . وذهب المالكية والحنفية إلى جواز الكتابة الحالة ، واختاره بعض الشافعية كالروياني . وقال ابن التين : لا نص لمالك في ذلك إلا أن محققي أصحابه شبهوه ببيع العبد من نفسه ، واختار بعض أصحاب مالك أن لا يكون أقل من نجمين كقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واحتج nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وغيره بأن التأجيل جعل رفقا بالمكاتب لا بالسيد ، فإذا قدر العبد على [ ص: 220 ] ذلك لا يمنع منه وهذا قول الليث ، وبأن سلمان كاتب - بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر تأجيلا ، وقد تقدم ذكر خبره ، وبأن عجز المكاتب عن القدر الحال لا يمنع صحة الكتابة كالبيع في المجلس ، كمن اشترى ما يساوي درهما بعشرة دراهم حالة وهو لا يقدر حينئذ إلا على درهم نفذ البيع مع عجزه عن أكثر الثمن ، وبأن الشافعية أجازوا السلم الحال ولم يقفوا مع التسمية مع أنها مشعرة بالتأجيل .
وأما قول المصنف : " في كل سنة نجم " فأخذه من صورة الخبر الوارد في قصة بريرة كما سيأتي التصريح به بعد باب ، ولم يرد المصنف أن ذلك شرط فيه ، فإن العلماء اتفقوا على أنه لو وقع التنجيم بالأشهر جاز ، ولم يثبت لفظ نجم في آخره في رواية النسفي ، واختلف في المراد بالخير في قوله : إن علمتم فيهم خيرا كما سيأتي بعد بابين ، وروى ابن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح بفتح المهملة عن أبيه قال : " كنت مملوكا nindex.php?page=showalam&ids=2207لحويطب بن عبد العزى ، فسألته الكتابة فأبى ، فنزلت : والذين يبتغون الكتاب الآية " أخرجه ابن السكن وغيره في ترجمة صبيح في الصحابة .
قوله : ( وقال روح عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قلت لعطاء : أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه ، قال : ما أراه إلا واجبا ) وصله إسماعيل القاضي في " أحكام القرآن " قال : " حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني حدثنا روح بن عبادة بهذا " ، وكذلك أخرجه عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي من وجهين آخرين عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
قوله : ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار قلت لعطاء أتأثره عن أحد ؟ قال : لا ) هكذا وقع في جميع النسخ التي وقعت لنا عن الفربري ، وهو ظاهر في هذا الأثر من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار عن عطاء ، وليس كذلك بل وقع في الرواية تحريف لزم منه الخطأ ، والذي وقع في رواية إسماعيل المذكورة " وقاله لي أيضا nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار " والضمير يعود على القول بوجوبها ، وقائل ذلك هو nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وهو فاعل " قلت لعطاء " وقد صرح بذلك في رواية إسماعيل حيث قال فيها بالسند المذكور " قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وأخبرني عطاء " وكذلك أخرجه عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - ومن طريقه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي - عن عبد الله بن الحارث كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وقالا فيه : " وقالها nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار " والحاصل أن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج نقل عن عطاء التردد في الوجوب وعن nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار الجزم به أو موافقة عطاء . ثم وجدته في الأصل المعتمد من رواية النسفي عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على الصواب بزيادة الهاء في قوله وقال nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ولفظه " وقاله nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار " أي القول المذكور .
قوله : ( ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنسا المكاتبة وكان كثير المال ) القائل " ثم أخبرني " هو nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أيضا ، ومخبره هو عطاء ، ووقع مبينا كذلك في رواية إسماعيل المذكورة ولفظه " قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وأخبرني عطاء أن موسى بن أنس بن مالك أخبره أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل . . " فذكره ، ووقع في رواية عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج " أخبرني مخبر أن موسى بن أنس أخبره " وقد عرف اسم المخبر من رواية روح ، وظاهر سياقه الإرسال فإن موسى لم يذكر وقت سؤال سيرين من أنس الكتابة ، وقد رواه عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري من وجه آخر متصلا من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال : " أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت ، فأتى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب " فذكر نحوه . وسيرين المذكور يكنى أبا عمرة ، وهو والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور وإخوته ، وكان من سبي عين التمر اشتراه أنس في خلافة أبي بكر ، وروى هو عن عمر وغيره ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في ثقات التابعين .
[ ص: 221 ] قوله : ( فانطلق إلى عمر ) زاد إسماعيل بن إسحاق في روايته " فاستعداه عليه " وزاد في آخر القصة " وكاتبه أنس " وروى ابن سعد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : " كاتب أنس أبي على أربعين ألف درهم " وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12336أنس بن سيرين عن أبيه قال : " كاتبني أنس على عشرين ألف درهم " فإن كانا محفوظين جمع بينهما بحمل أحدهما على الوزن والآخر على العدد ، nindex.php?page=showalam&ids=12508ولابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس قال : " هذه مكاتبة أنس عندنا : هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين : كاتبه على كذا وكذا ألف وعلى غلامين يعملان مثل عمله " واستدل بفعل عمر على أنه كان يرى بوجوب الكتابة إذا سألها العبد ، لأن عمر لما ضرب أنسا على الامتناع دل على ذلك ، وليس ذلك بلازم لاحتمال أنه أدبه على ترك المندوب المؤكد ، وكذلك ما رواه عبد الرزاق : " أن عثمان قال لمن سأله الكتابة : لولا آية من كتاب الله ما فعلت " فلا يدل أيضا على أنه كان يرى الوجوب .
ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم القول بوجوبها عن مسروق والضحاك ، زاد القرطبي : وعكرمة . وعن إسحاق ابن راهويه أن مكاتبته واجبة إذا طلبها ، ولكن لا يجبر الحاكم السيد على ذلك . nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قول بالوجوب ، وبه قال الظاهرية ، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري . قال ابن القصار : إنما علا عمر أنسا بالدرة على وجه النصح لأنس ، ولو كانت الكتابة لزمت أنسا ما أبى ، وإنما ندبه عمر إلى الأفضل . وقال القرطبي : لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الأمر بكتابته غير واجب ، لأن قوله : " خذ كسبي وأعتقني " يصير بمنزلة قوله أعتقني بلا شيء وذلك غير واجب اتفاقا ومحل الوجوب عند من قال به إن كان العبد قادرا على ذلك ورضي السيد بالقدر الذي تقع به المكاتبة . وقال أبو سعيد الإصطخري : القرينة الصارفة للأمر في هذا عن الوجوب الشرط في قوله : إن علمتم فيهم خيرا فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى ، ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه ، فدل على أنه غير واجب . وقال غيره : الكتابة عقد غرر ، وكان الأصل أن لا تجوز ، فلما وقع الإذن فيها كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة ، ولا يرد على هذا كونها مستحبة لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى ،
ثم أورد المصنف قصة بريرة من عدة طرق في جميع أبواب الكتابة ، فأورد في هذه الترجمة طريق الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة تعليقا ، ووصله الذهلي في " الزهريات " عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث ، والمحفوظ رواية الليث له عن ابن شهاب نفسه بغير واسطة ، وسيأتي في الباب الذي يليه عن قتيبة عن الليث ، وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة ، وكذلك أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي وغيرهما من طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم منهم يونس nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث كلهم عن ابن شهاب ، وهذا هـو المحفوظ أن يونس رفيق الليث فيه لا شيخه ، ووقع التصريح بسماع الليث له من ابن شهاب عن أبي عوانة من طريق مروان بن محمد ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق ابن وهب كلاهما عن الليث . وقد وقع في هذه الرواية المعلقة أيضا مخالفة للروايات المشهورة في موضع فيه نظر وهو قوله في المتن " وعليها خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين " والمشهور ما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة الآتية بعد بابين عن أبيه " أنها كاتبت على تسع أواق في كل عام أوقية " وكذا في رواية ابن وهب عن يونس عند مسلم ، وقد جزم nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي بأن الرواية المعلقة غلط ، ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها ، وبهذا جزم القرطبي والمحب الطبري ، ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة " ولم تكن أدت من كتابتها شيئا " ويجاب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين عائشة ، ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس .
وقال القرطبي : [ ص: 222 ] يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام ، ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة الماضية في أبواب المساجد " فقال أهلها : إن شئت أعطيت ما يبقى " وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي أنه رأى في الأصل المسموع على الفربري في هذه الطريق أنها كاتبت على خمسة أوساق وقال : إن كان مضبوطا فهو يدفع سائر الأخبار .
قلت : لم يقع في شيء من النسخ المعتمدة التي وقفنا عليها إلا الأواقي ، وكذا في نسخة النسفي عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وكان يمكن على تقدير صحته أن يجمع بأن قيمة الأوساق الخمسة تسع أواق ، لكن يعكر عليه قوله : " في خمس سنين " فيتعين المصير إلى الجمع الأول . وقوله في هذه الرواية " فقالت عائشة ونفست فيها " هو بكسر الفاء جملة حالية أي رغبت .
قوله : ( باب ما يجوز من شروط المكاتب ، ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله ) جمع في هذه الترجمة بين حكمين ، وكأنه فسر الأول بالثاني ، وأن ضابط الجواز ما كان في كتاب الله ، وسيأتي في الشروط أن المراد بما ليس في كتاب الله ما خالف كتاب الله ، وقال ابن بطال : المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة : ليس في كتاب الله أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه ، لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب يبطل ، لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ، ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل ، وقال النووي : قال العلماء : الشروط في البيع أقسام ، أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه ، الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا ، الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة وقصة بريرة ، الرابع ما يزيد على [ ص: 223 ] مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل .
وقال القرطبي : قوله : " ليس في كتاب الله " أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا ، ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب الله كالوضوء ، ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة ، ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح ، فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا .
قوله : ( فيه عن ابن عمر ) كذا لأبي ذر ، ولغيره " فيه ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن عمر الآتي في الباب الذي يليه ، وقد مضى بلفظ الاشتراط في " باب البيع والشراء مع النساء " من كتاب البيوع .
قوله : ( إن بريرة ) هي بفتح الموحدة بوزن فعيلة ، مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك . وقيل إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة ، أو بمعنى فاعلة كرحيمة ، هكذا وجهه القرطبي . والأول أولى لأنه - صلى الله عليه وسلم - غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال : لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك . وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم ، وقيل لناس من بني هلال قاله nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، ويمكن الجمع . وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما سيأتي في حديث الإفك ، وعاشت إلى خلافة معاوية ، وتفرست في nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك وروى هو ذلك عنها .
قوله : ( فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت ) كذا في هذه الرواية ، وهي نظير رواية مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة الآتية في الشروط بلفظ " إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت " وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة . ولم يقع ذلك إذ لو وقع ذلك لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقها غيرها . وقد رواه أبو أسامة عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال بعد قوله : " أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت " .
وكذلك رواه وهيب عن هشام ، فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ، ويؤيده قوله في بقية حديث الزهري في هذا الباب فقال - صلى الله عليه وسلم - : ابتاعي فأعتقي وهو يفسر قوله في رواية مالك عن هشام " خذيها " ويوضح ذلك أيضا قوله في طريق أيمن الآتية " دخلت على بريرة وهي مكاتبة فقالت : اشتريني وأعتقيني ، قالت : نعم " وقوله في حديث ابن عمر " أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها " وبهذا يتجه الإنكار على موالي بريرة ؛ إذ وافقوا عائشة على بيعها ثم أرادوا أن يشترطوا أن يكون الولاء لهم ، ويؤيده قوله في رواية أيمن المذكورة " قالت : لا تبيعوني حتى تشترطوا ولائي " وفي رواية الأسود الآتية في الفرائض عن عائشة " اشتريت بريرة لأعتقها ، فاشترط أهلها ولاءها " وسيأتي قريبا في الهبة من طريق القاسم عن عائشة " أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها " .
قوله : ( ارجعي إلى أهلك ) المراد بالأهل هنا السادة ، والأهل في الأصل الآل ، وفي الشرع من تلزم نفقته على الأصح عند الشافعية .
[ ص: 224 ] قوله : ( إن شاءت أن تحتسب ) هو من الحسبة بكسر المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء .
قوله : ( وإن شرط ) في رواية أبي ذر " وإن اشترط " .
قوله : ( مائة مرة ) في رواية المستملي " مائة شرط " وكذا هـو في رواية هشام وأيمن ، قال النووي : معنى قوله : " ولو اشترط مائة شرط " أنه لو شرط مائة مرة توكيدا فهو باطل ، ويؤيده قوله في الرواية الأخيرة : " إن شرط مائة مرة " وإنما حمله على التأكيد لأن العموم في قوله : " كل شرط " وفي قوله : " من اشترط شرطا " دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلت عليها الصيغة . نعم الطريق الأخيرة من رواية أيمن عن عائشة بلفظ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=883988الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط وإن احتمل التأكيد لكنه ظاهر في أن المراد به التعدد ، وذكر المائة على سبيل المبالغة والله أعلم . وقال القرطبي : قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887916ولو كان مائة شرط " خرج مخرج التكثير ، يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت ، ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وسيأتي التنصيص على ذلك في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى .