[ ص: 672 ] [ ص: 673 ] قوله : ( باب علامات النبوة في الإسلام ) العلامات جمع علامة ، وعبر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة ، والفرق بينهما أن المعجزة أخص لأنه يشترط فيها أن يتحدى النبي صلى الله عليه وسلم من يكذبه بأن يقول : إن فعلت كذلك أتصدق بأني صادق أو يقول من يتحداه : لا أصدقك حتى تفعل كذا . ويشترط أن يكون المتحدى به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة . وقد وقع النوعان للنبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن ، وسميت المعجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها ، والهاء فيها للمبالغة ، أو هي صفة محذوف . وأشهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لأنه صلى الله عليه وسلم تحدى به العرب - وهم أفصح الناس لسانا وأشدهم اقتدارا على الكلام - بأن يأتوا بسورة مثله فعجزوا مع شدة عداوتهم له وصدهم عنه ، حتى قال بعض العلماء : أقصر سورة في القرآن إنا أعطيناك الكوثر فكل قرآن من سورة أخرى كان قدر إنا أعطيناك الكوثر سواء كان آية أو أكثر أو بعض آية فهو داخل فيما تحداهم به ، وعلى هذا فتصل معجزات القرآن من هذه الحيثية إلى عدد كثير جدا . ووجوه إعجاز القرآن من جهة حسن تأليفه والتئام كلماته وفصاحته وإيجازه في مقام الإيجاز ، وبلاغته ظاهرة جدا مع ما انضم إلى ذلك من حسن نظمه وغرابة أسلوبه ، مع كونه على خلاف قواعد النظم والنثر ، هذا إلى ما اشتمل عليه من الإخبار بالمغيبات مما وقع من أخبار الأمم الماضية مما كان لا يعلمه إلا أفراد من أهل الكتاب ، ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بأحد منهم ولا أخذ عنهم ، وبما سيقع فوقع على وفق ما أخبر به في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده ، هذا مع الهيبة التي تقع عند تلاوته والخشية التي تلحق سامعه وعدم دخول الملال والسآمة على قارئه وسامعه ، مع تيسر حفظه لمتعلميه وتسهيل سرده لتاليه ، ولا ينكر شيئا من ذلك إلا جاهل أو معاند ، ولهذا أطلق الأئمة أن معظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ، ومن أظهر معجزات القرآن إبقاؤه مع استمرار الإعجاز ، وأشهر ذلك تحديه اليهود أن يتمنوا الموت فلم يقع ممن سلف منهم ولا خلف من تصدى لذلك ولا أقدم ، مع شدة عداوتهم لهذا الدين وحرصهم على إفساده والصد عنه ، فكان في ذلك أوضح معجزة . وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وانشقاق القمر ونطق الجماد ، فمنه ما وقع التحدي به ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحد ، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من خوارق العادات شيء كثير ، كما يقطع بوجود جود حاتم وشجاعة علي ، وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الآحاد مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر وانتشر ورواه العدد الكثير والجم الغفير ، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار ، والعناية بالسير والأخبار ، وإن لم يصل عند [ ص: 674 ] غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك ، بل لو ادعى مدع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري لما كان مستبعدا وهو أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدثوا بهذه الأخبار في الجملة ، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك ولا الإنكار عليه فيما هنالك ، فيكون الساكت منهم كالناطق ; لأن مجموعهم محفوظ من الإغضاء على الباطل ، وعلى تقدير أن يوجد من بعضهم إنكار أو طعن على بعض من روى شيئا من ذلك فإنما هو من جهة توقف في صدق الراوي أو تهمته بكذب أو توقف في ضبطه ونسبته إلى سوء الحفظ أو جواز الغلط ، ولا يوجد من أحد منهم طعن في المروي كما وجد منهم في غير هذا الفن من الأحكام والآداب وحروف القرآن ونحو ذلك ، وقد قرر القاضي عياض ما قدمته من وجود إفادة القطع في بعض الأخبار عند بعض العلماء دون بعض تقريرا حسنا ، ومثل ذلك بأن الفقهاء من أصحاب مالك قد تواتر عندهم النقل أن مذهبه إجزاء النية من أول رمضان خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في إيجابه لها في كل ليلة ، وكذا إيجاب مسح جميع الرأس في الوضوء خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في إجزاء بعضها ، وأن مذهبهما معا إيجاب النية في أول الوضوء واشتراط الولي في النكاح خلافا nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة ، وتجدد العدد الكثير والجم الغفير من الفقهاء من لا يعرف ذلك من خلافهم فضلا عمن لم ينظر في الفقه وهو أمر واضح والله أعلم . وذكر النووي في مقدمة شرح مسلم أن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف ومائتين وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في " المدخل " بلغت ألفا ، وقال الزاهدي من الحنفية : ظهر على يديه ألف معجزة ، وقيل : ثلاثة آلاف ، وقد اعتنى بجمعها جماعة من الأئمة كأبي نعيم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهما .
ثم أورد المصنف في الباب نحو خمسين حديثا : الحديث الأول حديث عمران بن حصين في قصة المرأة صاحبة المزادتين ، والمعجزة فيها تكثير الماء القليل ببركته صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أبواب التيمم ، وقوله في هذه الرواية : " إيه " بكسر الهمزة وسكون التحتانية ، وفي بعض [ ص: 676 ] النسخ " إيها " بالتنوين مع الفتح ، وحكى الجوهري جواز فتح الهمزة في هذه . وقوله : ( مؤتمة ) أي ذات أيتام .
وقوله : ( فمسح بالعزلاوين ) في رواية الكشميهني " في العزلاءين " وهما تثنية عزلاء بسكون الزاي وبالمد وهو فم القربة والجمع عزالي بكسر اللام الخفيفة ، وكذلك وقع في الرواية المتقدمة .
قوله : ( فشربنا عطاشا أربعون رجلا ) أي ونحن حينئذ أربعون ، وفي رواية الكشميهني " أربعين " بالنصب وتوجيهها ظاهر . وقوله : و " هي تكاد تبض " بكسر الموحدة بعدها معجمة ثقيلة أي تسيل ، وحكى عياض عن بعض الرواة بالصاد المهملة من البصيص وهو اللمعان ، ومعناه مستبعد هنا ، فإن في نفس الحديث " تكاد تبض من الملء " بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة ، فكونها تكاد تسيل من الملء ظاهر ، وأما كونها تلمع من الملء فبعيد . وقال ابن التين : معنى قوله : " تبض " بالمعجمة أي تشق ، يقال بض الماء من العين إذا نبع ، وكذا بض العرق ، قال : وفيه روايات أخرى : روي " تنض " بنون وضاد معجمة ، وروي " تيصر " بمثناة مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة وصاد مهملة ثم راء . قال وذكر الشيخ أبو الحسن أن معناه تنشق ، قال ومنه صير الباب أي شق الباب ، ورده ابن التين بأن صير عينه حرف علة فكان يلزم أن يقول تصور ، وليس هذا في شيء من الروايات . ورأيت في رواية أبي ذر عن الكشميهني " تنصب " بفتح المثناة وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة ، فتوافق الرواية الأولى لأنها بمعنى تسيل .