قوله : ( باب قيام ليلة القدر من الإيمان ) لما بين علامات النفاق وقبحها رجع إلى ذكر علامات الإيمان وحسنها ; لأن الكلام على متعلقات الإيمان هو المقصود بالأصالة ، وإنما يذكر متعلقات غيره استطرادا . ثم [ ص: 114 ] رجع فذكر أن قيام ليلة القدر وقيام رمضان وصيام رمضان من الإيمان ، وأورد الثلاثة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة متحدات الباعث والجزاء ، وعبر في ليلة القدر بالمضارع في الشرط وبالماضي في جوابه ، بخلاف الآخرين فبالماضي فيهما ، وأبدى الكرماني لذلك نكتة لطيفة قال : لأن قيام رمضان محقق الوقوع وكذا صيامه ، بخلاف قيام ليلة القدر فإنه غير متيقن ، فلهذا ذكره بلفظ المستقبل ، انتهى كلامه . وفيه شيء ستأتي الإشارة إليه .
وقال غيره : استعمل لفظ الماضي في الجزاء إشارة إلى تحقق وقوعه ، فهو نظير أتى أمر الله وفي استعمال الشرط مضارعا والجواب ماضيا نزاع بين النحاة ، فمنعه الأكثر ، وأجازه آخرون لكن بقلة . استدلوا بقوله تعالى إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت لأن قوله فظلت بلفظ الماضي ، وهو تابع للجواب وتابع الجواب جواب . واستدلوا أيضا بهذا الحديث ، وعندي في الاستدلال به نظر ; لأنني أظنه من تصرف الرواة لأن الروايات فيه مشهورة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ المضارع في الشرط والجزاء ، وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه فلم يغاير بين الشرط والجزاء بل قال من يقم ليلة القدر يغفر له ، ورواه أبو نعيم في المستخرج عن سليمان وهو الطبراني عن nindex.php?page=showalam&ids=14182أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أبي اليمان ولفظه زائد على الروايتين فقال nindex.php?page=hadith&LINKID=883447 " لا يقوم أحدكم ليلة القدر فيوافقها إيمانا واحتسابا إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه " ، وقوله في هذه الرواية " فيوافقها " زيادة بيان ، وإلا فالجزاء مرتب على قيام ليلة القدر ، ولا يصدق قيام ليلة القدر إلا على من وافقها ، والحصر المستفاد من النفي ، والإثبات مستفاد من الشرط والجزاء ، فوضح أن ذلك من تصرف الرواة بالمعنى ; لأن مخرج الحديث واحد ، وسيأتي الكلام على ليلة القدر وعلى صيام رمضان وقيامه إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام .