قوله : ( باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب ) أي ما حكمها ؟ وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص ; لأن الخسف من جملة العذاب .
قوله : ( ويذكر أن عليا ) هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي المحل وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال " كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل ، فلم يصل حتى أجازه " أي تعداه . ومن طريق أخرى عن علي قال " ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار " والظاهر أن قوله " ثلاث مرار " ليس متعلقا بالخسف ; لأنه ليس فيها إلا خسف واحد ، وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا ، ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن علي ولفظه nindex.php?page=hadith&LINKID=883964 " نهاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة " في إسناده ضعف ، واللائق بتعليق المصنف ما تقدم ، والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله : فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم الآية ، ذكر أهل التفسير والأخبار أن المراد بذلك أن النمروذ بن كنعان بنى ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع ، فخسف الله بهم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل ، فإن كان حديث علي ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا ; لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها ، يعني أطلق الملزوم وأراد اللازم . قال : [ ص: 632 ] فيحتمل أن النهي خاص بعلي إنذارا له بما لقي من الفتنة بالعراق . قلت : وسياق قصة علي الأولى يبعد هذا التأويل . والله أعلم .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن عبد الله ) هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك .
قوله : ( لا تدخلوا ) كان هذا النهي لما مروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك ، وقد صرح المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن ابن عمر ببعض ذلك .
قوله : ( إلا أن تكونوا باكين ) ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول ، بل دائما عند كل جزء من الدخول ، وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية ، وسيأتي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينزل فيه البتة . قال ابن بطال : هذا يدل على إباحة الصلاة هناك ; لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع ، كأنه يشير إلى عدم مطابقة الحديث لأثر علي . قلت : والحديث مطابق له من جهة أن كلا منهما فيه ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث " ثم قنع - صلى الله عليه وسلم - رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي " فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع علي في خسف بابل .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في " الإكليل " عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - واستتر بيده أن ينظر إليه وقال : ألقه . فألقاه لكن إسناده ضعيف ، وسيأتي نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يستقى من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى .
قوله : ( لا يصيبكم ) بالرفع على أن " لا " نافية والمعنى لئلا يصيبكم . ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو أوجه ، وهو نهي بمعنى الخبر . وللمصنف في أحاديث الأنبياء " أن يصيبكم " أي خشية أن يصيبكم ، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار ، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه ، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك .
والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له ، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال ، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه ، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم ، وبهذا يندفع اعتراض من قال : كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم ؟ لأنه بهذا التقرير لا يأمن أن يصير ظالما فيعذب بظلمه .