الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب ويذكر أن عليا رضي الله عنه كره الصلاة بخسف بابل
423 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن عبد الله قال حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار عن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر رضي الله عنهما nindex.php?page=hadith&LINKID=650415أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=treesubj&link=32016_30878_32754لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم
قوله : ( باب nindex.php?page=treesubj&link=32754الصلاة في مواضع الخسف والعذاب ) أي ما حكمها ؟ وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص ; لأن الخسف من جملة العذاب .
قوله : ( ويذكر أن عليا ) هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي المحل وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال " كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل ، فلم يصل حتى أجازه " أي تعداه . ومن طريق أخرى عن علي قال " ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار " والظاهر أن قوله " ثلاث مرار " ليس متعلقا بالخسف ; لأنه ليس فيها إلا خسف واحد ، وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا ، ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن علي ولفظه nindex.php?page=hadith&LINKID=883964 " نهاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة " في إسناده ضعف ، واللائق بتعليق المصنف ما تقدم ، والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم الآية ، ذكر أهل التفسير والأخبار أن المراد بذلك أن النمروذ بن كنعان بنى ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع ، فخسف الله بهم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لا أعلم أحدا من العلماء حرم nindex.php?page=treesubj&link=32754الصلاة في أرض بابل ، فإن كان حديث علي ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا ; لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها ، يعني أطلق الملزوم وأراد اللازم . قال : [ ص: 632 ] فيحتمل أن النهي خاص بعلي إنذارا له بما لقي من الفتنة بالعراق . قلت : وسياق قصة علي الأولى يبعد هذا التأويل . والله أعلم .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن عبد الله ) هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك .
قوله : ( لا تدخلوا ) كان هذا النهي لما مروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك ، وقد صرح المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن ابن عمر ببعض ذلك .
قوله : ( هؤلاء المعذبين ) بفتح الذال المعجمة . وله في أحاديث الأنبياء nindex.php?page=hadith&LINKID=883965لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم .
قوله : ( إلا أن تكونوا باكين ) ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول ، بل دائما عند كل جزء من الدخول ، وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية ، وسيأتي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينزل فيه البتة . قال ابن بطال : هذا يدل على إباحة الصلاة هناك ; لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع ، كأنه يشير إلى عدم مطابقة الحديث لأثر علي . قلت : والحديث مطابق له من جهة أن كلا منهما فيه ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث " ثم قنع - صلى الله عليه وسلم - رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي " فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع علي في خسف بابل .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في " الإكليل " عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - واستتر بيده أن ينظر إليه وقال : ألقه . فألقاه لكن إسناده ضعيف ، وسيأتي نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يستقى من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى .
قوله : ( لا يصيبكم ) بالرفع على أن " لا " نافية والمعنى لئلا يصيبكم . ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو أوجه ، وهو نهي بمعنى الخبر . وللمصنف في أحاديث الأنبياء " أن يصيبكم " أي خشية أن يصيبكم ، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار ، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه ، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك .
والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له ، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال ، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه ، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم ، وبهذا يندفع اعتراض من قال : كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم ؟ لأنه بهذا التقرير لا يأمن أن يصير ظالما فيعذب بظلمه .