قوله : ( باب إثم المار بين يدي المصلي ) أورد فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد أن زيد بن خالد - أي الجهني الصحابي - أرسله إلى أبي جهيم ، أي ابن الحارث بن الصمة الأنصاري الصحابي الذي تقدم حديثه في " باب التيمم في الحضر " هكذا روى مالك هذا الحديث في الموطأ لم يختلف عليه فيه أن المرسل هو زيد ، وأن المرسل إليه هو أبو جهيم ، وتابعه nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وغيرهما وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر فقال " عن nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد قال : أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله " فذكر هذا الحديث . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر . هكذا رواه ابن عيينة مقلوبا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12211ابن أبي خيثمة عن ابن عيينة . ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=12211ابن أبي خيثمة : سئل عنه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين فقال : هو خطأ ، إنما هو " أرسلني زيد إلى أبي جهيم " كما قال مالك . وتعقب ذلك ابن القطان فقال : ليس خطأ ابن عيينة فيه بمتعين ، لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسرا إلى زيد ، وبعثه زيد إلى أبي جهيم يستثبت كل واحد منهما ما عند الآخر .
قلت : تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن ، فإذا قالوا أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر ، بل هو راجح الاحتمال فيعتمد . ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذ ، وهو ما يخالف الثقة فيه من هو أرجح منه في حد الصحيح قوله : ( بين يدي المصلي ) أي أمامه بالقرب منه ، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما ، واختلف في تحديد ذلك فقيل : إذا مر بينه وبين مقدار سجوده ، وقيل بينه وبين قدر ثلاثة أذرع ، وقيل بينه وبين قدر رمية بحجر .
قوله : ( ماذا عليه ) زاد الكشميهني " من الإثم " وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره ، والحديث في الموطأ بدونها . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لم يختلف على مالك في شيء منه ، وكذا رواه باقي الستة [ ص: 697 ] وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها ، ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا . لكن في مصنف ابن أبي شيبة " يعني من الإثم " فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلا ; لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ بل كان راوية . وقد عزاها المحب الطبري في الأحكام nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري وأطلق ، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في إبهامه أنها في الصحيحين ، وأنكر ابن الصلاح في مشكل الوسيط على من أثبتها في الخبر فقال : لفظ الإثم ليس في الحديث صريحا . ولما ذكره النووي في شرح المهذب دونها قال : وفي رواية رويناها في الأربعين لعبد القادر الهروي " ماذا عليه من الإثم " .
قوله : ( لكان أن يقف أربعين ) يعني أن المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم . وقال الكرماني : جواب " لو " ليس هو المذكور ، بل التقدير : لو يعلم ما عليه لوقف أربعين ولو وقف أربعين لكان خيرا له . وليس ما قاله متعينا ، قال : وأبهم المعدود تفخيما للأمر وتعظيما .
قلت : ظاهر السياق أنه عين المعدود ولكن شك الراوي فيه ، ثم أبدى الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين إحداهما كون الأربعة أصل جميع الأعداد فلما أريد التكثير ضربت في عشرة .
ثانيتهما كون كمال أطوار الإنسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة ، وكذا بلوغ الأشد . ويحتمل غير ذلك ا هـ . وفي ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " لكان أن يقف مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها " . وهذا يشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد معين .
وجنح nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين زيادة في تعظيم الأمر على المار ; لأنهما لم يقعا معا إذ المائة أكثر من الأربعين والمقام مقام زجر وتخويف فلا يناسب أن يتقدم ذكر المائة على الأربعين ، بل المناسب أن يتأخر . ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثبت المدعى ، وأما دونها فمن باب الأولى ، وقد وقع في مسند البزار من طريق ابن عيينة التي ذكرها ابن القطان " لكان أن يقف أربعين خريفا " أخرجه عن أحمد بن عبدة الضبي عن ابن عيينة . وقد جعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة والشك في طريق غيره دالا على التعدد ، لكن رواه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور وغيرهم من الحفاظ عن ابن عيينة عن أبي النضر على الشك أيضا وزاد فيه " أو ساعة " فيبعد أن يكون الجزم والشك وقعا معا من راو واحد في حالة واحدة إلا أن يقال : لعله تذكر في الحال فجزم ، وفيه ما فيه .
قوله : ( خيرا له ) كذا في روايتنا بالنصب على أنه خبر كان ، ولبعضهم " خير " بالرفع وهي رواية الترمذي ، وأعربها nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي على أنها اسم كان ، وأشار إلى تسويغ الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة ويحتمل أن يقال : اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها .
قوله : ( قال أبو النضر ) هو كلام مالك وليس من تعليق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ; لأنه ثابت في الموطأ من جميع الطرق . وكذا ثبت في رواية الثوري وابن عيينة كما ذكرنا . قال النووي : فيه دليل على تحريم المرور ، فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك . انتهى . ومقتضى ذلك أن يعد في الكبائر وفيه أخذ القرين عن قرينه ما فاته أو استثباته فيما سمع معه . وفيه الاعتماد على خبر الواحد ; لأن زيدا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو اكتفاء برسوله المذكور . وفيه استعمال " لو " في باب الوعيد ، ولا يدخل ذلك [ ص: 698 ] في النهي ، لأن محل النهي أن يشعر بما يعاند المقدور كما سيأتي في كتاب القدر حيث أورده المصنف إن شاء الله تعالى .
( تنبيهات ) : أحدها : استنبط ابن بطال من قوله " لو يعلم " أن الإثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه . انتهى .
وأخذه من ذلك فيه بعد ، لكن هو معروف من أدلة أخرى . ثانيها : ظاهر الحديث أن الوعيد المذكور يختص بمن مر لا بمن وقف عامدا مثلا بين يدي المصلي أو قعد أو رقد ، لكن إن كانت العلة فيه التشويش على المصلي فهو في معنى المار .
ثالثها : ظاهره عموم النهي في كل مصل ، وخصه بعض المالكية بالإمام والمنفرد ; لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه ; لأن سترة إمامه سترة له أو إمامه سترة له ا هـ . والتعليل المذكور لا يطابق المدعى ; لأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار ، فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد في ذلك .
رابعها : ذكر ابن دقيق العيد أن بعض الفقهاء أي المالكية قسم أحوال المار والمصلي في الإثم وعدمه إلى أربعة أقسام : يأثم المار دون المصلي ، وعكسه يأثمان جميعا ، وعكسه . فالصورة الأولى أن يصلي إلى سترة في غير مشرع وللمار مندوحة فيأثم المار دون المصلي . الثانية أن يصلي في مشرع مسلوك بغير سترة أو متباعدا عن السترة ولا يجد المار مندوحة فيأثم المصلي دون المار . الثالثة مثل الثانية لكن يجد المار مندوحة فيأثمان جميعا . الرابعة مثل الأولى لكن لم يجد المار مندوحة فلا يأثمان جميعا . انتهى .
وظاهر الحديث يدل على منع المرور مطلقا ولو لم يجد مسلكا بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته . ويؤيده قصة أبي سعيد السابقة فإن فيها " فنظر الشاب فلم يجد مساغا " وقد تقدمت الإشارة إلى قول إمام الحرمين : إن الدفع لا يشرع للمصلي في هذه الصور وتبعه nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ، ونازعه الرافعي ، وتعقبه ابن الرفعة بما حاصله أن الشاب إنما استوجب من أبي سعيد الدفع لكونه قصر في التأخر عن الحضور إلى الصلاة حتى وقع الزحام . انتهى . وما قاله محتمل لكن لا يدفع الاستدلال ; لأن أبا سعيد لم يعتذر بذلك ; ولأنه متوقف على أن ذلك وقع قبل صلاة الجمعة أو فيها مع احتمال أن يكون ذلك وقع بعدها فلا يتجه ما قاله من التقصير بعدم التبكير ، بلى كثرة الزحام حينئذ أوجه ، والله أعلم .
خامسها وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=14474أبي العباس السراج من طريق الضحاك بن عثمان عن أبي النضر " لو يعلم المار بين يدي المصلي والمصلى " فحمله بعضهم على ما إذا قصر المصلي في دفع المار أو بأن صلى في الشارع ، ويحتمل أن يكون قوله " والمصلى " بفتح اللام أي بين يدي المصلي من داخل سترته ، وهذا أظهر ، والله أعلم .