الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب يرد المصلي من مر بين يديه ورد nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في التشهد وفي الكعبة وقال إن أبى إلا أن تقاتله فقاتله
487 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15304أبو معمر قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس عن nindex.php?page=showalam&ids=15771حميد بن هلال عن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبي صالح أن nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11790آدم بن أبي إياس قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16034سليمان بن المغيرة قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15771حميد بن هلال العدوي قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12045أبو صالح السمان قال رأيت nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري nindex.php?page=hadith&LINKID=650479في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول nindex.php?page=treesubj&link=1518_22741_1520إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان
قوله : ( باب يرد المصلي من مر بين يديه ) أي سواء كان آدميا أم غيره .
قوله : ( ورد ابن عمر في التشهد ) أي رد المار بين يديه في حال التشهد ، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ، وعندهما أن المار المذكور هو nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار .
قوله : ( وفي الكعبة ) قال ابن قرقول : وقع في بعض الروايات " وفي الركعة " وهو أشبه بالمعنى .
قلت : ورواية الجمهور متجهة وتخصيص الكعبة بالذكر لئلا يتخيل أنه يغتفر فيها المرور لكونها محل المزاحمة . وقد وصل الأثر المذكور بذكر الكعبة فيه أبو نعيم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الصلاة له من طريق صالح بن كيسان قال " رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة فلا يدع أحدا يمر بين يديه يبادره " قال : أي يرده .
قوله : ( إن أبى ) أي المار ( إلا أن يقاتله ) أي المصلي ( قاتله ) كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وهو على سبيل المبالغة . nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني ( إلا أن تقاتله ) بصيغة المخاطبة ( فقاتله ) بصيغة الأمر . وهذه الجملة الأخيرة من كلام ابن عمر أيضا ، وقد وصلها عبد الرزاق ولفظه عن ابن عمر قال " لا تدع أحدا يمر بين يديك وأنت تصلي ، فإن أبى إلا أن تقاتله فقاتله " وهذا موافق لسياق الكشميهني .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس ) هو ابن عبيد ، وقد قرن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري روايته برواية nindex.php?page=showalam&ids=16034سليمان بن المغيرة ، وتبين من إيراده أن القصة المذكورة في رواية سليمان لا في رواية يونس ، ولفظ المتن الذي ساقه هنا هو لفظ سليمان أيضا [ ص: 694 ] لا لفظ يونس ، وإنما ظهر لنا ذلك من المصنف حيث ساق الحديث في كتاب بدء الخلق بالإسناد المذكور الذي ساقه هنا من رواية يونس بعينه ، ولفظ المتن مغاير للفظ الذي ساقه هنا ، وليس فيه تقييد الدفع بما إذا كان المصلي يصلي إلى سترة . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي أن سليم بن حيان تابع يونس عن حميد على عدم التقييد .
قلت : والمطلق في هذا محمول على المقيد ; لأن الذي يصلي إلى غير سترة مقصر بتركها ولا سيما إن صلى في مشارع المشاة وقد روى عبد الرزاق عن معمر التفرقة بين من يصلي إلى سترة وإلى غير سترة . وفي الروضة تبعا لأصلها : ولو صلى إلى غير سترة أو كانت وتباعد منها فالأصح أنه ليس له الدفع لتقصيره ولا يحرم المرور حينئذ بين يديه [1] ولكن الأولى تركه .
( تنبيه ) : ذكر أبو مسعود وغيره أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يخرج nindex.php?page=showalam&ids=16034لسليمان بن المغيرة شيئا موصولا إلا هذا الحديث .
قوله : ( فأراد شاب من بني أبي معيط ) وقع في كتاب الصلاة لأبي نعيم أنه nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخرجه عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال " بينما أبو سعيد قائم يصلي في المسجد فأقبل nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه ، فدفعه ، فأبى إلا أن يمر بين يديه فدفعه " هذا آخر ما أورده من هذه القصة .
وفي تفسير الذي وقع في الصحيح بأنه الوليد هذا نظر ; لأن فيه أنه دخل على مروان . زاد nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " ومروان يومئذ على المدينة " ا هـ . ومروان إنما كان أميرا على المدينة في خلافة معاوية ، ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة ; لأنه لما قتل عثمان تحول إلى الجزيرة فسكنها حتى مات في خلافة معاوية ، ولم يحضر شيئا من الحروب التي كانت بين علي ومن خالفه . وأيضا فلم يكن الوليد يومئذ شابا ، بل كان في عشر الخمسين فلعله كان فيه : فأقبل ابن الوليد بن عقبة فيتجه .
وروى عبد الرزاق حديث الباب عن داود بن قيس عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه فقال فيه " إذ جاء شاب " ولم يسمه أيضا . وعن معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وقال فيه " فذهب ذو قرابة لمروان " . ومن طريق أبي العلاء فيه عن أبي سعيد فقال فيه " مر رجل بين يديه من بني مروان " . nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي من وجه آخر " فمر ابن لمروان " وسماه عبد الرزاق من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى " داود بن مروان " ولفظه " أراد داود بن مروان أن يمر بين يدي أبي سعيد ومروان يومئذ أمير المدينة " فذكر الحديث وبذلك جزم nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي ومن تبعه في تسمية المبهم الذي في الصحيح بأنه داود بن مروان ، وفيه نظر ; لأن فيه أنه من بني أبي معيط وليس مروان من بنيه ، بل أبو معيط ابن عم والد مروان ; لأنه أبو معيط بن أبي عمرو بن أمية ، ووالد مروان هو nindex.php?page=showalam&ids=2114الحكم بن أبي العاص بن أمية ، وليست أم داود ولا أم مروان ولا أم الحكم من ولد أبي معيط ، فيحتمل أن يكون داود نسب إلى أبي معيط من جهة الرضاعة أو لكون جده لأمه nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان كان أخا nindex.php?page=showalam&ids=292للوليد بن عقبة بن أبي معيط لأمه فنسب داود إليه وفيه بعد ، والأقرب أن تكون الواقعة تعددت لأبي سعيد مع غير واحد .
ففي مصنف ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي سعيد في هذه القصة " فأراد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يمر بين يديه " الحديث ، وعبد الرحمن مخزومي ما له من أبي معيط نسبة والله أعلم .
[ ص: 695 ] قوله : ( فلم يجد مساغا ) بالغين المعجمة ، أي ممرا . وقوله " فنال من أبي سعيد " ، أي أصاب من عرضه بالشتم .
قوله : ( فقال مالك ولابن أخيك ؟ ) أطلق الأخوة باعتبار الإيمان ، وهذا يؤيد أن المار غير الوليد ; لأن أباه عقبة قتل كافرا واستدل الرافعي بهذه القصة على مشروعية الدفع ولو لم يكن هناك مسلك غيره ، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=12441لإمام الحرمين . ولابن الرفعة فيه بحث سنشير إليه في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى .
قوله : ( فليدفعه ) ، ولمسلم " فليدفع في نحره " قال القرطبي : أي بالإشارة ولطيف المنع .
وقوله : ( فليقاتله ) أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول . قال : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح ، لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها ا هـ . وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقة واستبعد nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي ذلك في " القبس " وقال : المراد بالمقاتلة المدافعة .
وأغرب nindex.php?page=showalam&ids=11927الباجي فقال : يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن أو التعنيف . وتعقب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل ، بخلاف الفعل اليسير . ويمكن أن يكون أراد أنه يلعنه داعيا لا مخاطبا ، لكن فعل الصحابي يخالفه ، وهو أدرى بالمراد .
وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي بلفظ " فإن أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه " وهو صريح في الدفع باليد . ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول ، وما تقدم عن ابن عمر يقتضي أن المقاتلة إنما تشرع إذا تعينت في دفعه ، وبنحوه صرح أصحابنا فقالوا : يرده بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشد ، ولو أدى إلى قتله . فلو قتل فلا شيء عليه ; لأن الشارع أباح له مقاتلته ، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها . ونقل عياض وغيره أن عندهم خلافا في وجوب الدية في هذه الحالة . ونقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ، ولا العمل الكثير في مدافعته ; لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور .
وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده ; لأن فيه إعادة للمرور ، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك ، ويمكن حمله على ما إذا رده فامتنع وتمادى ، لا حيث يقصر المصلي في الرد . وقال النووي : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع ، بل صرح أصحابنا بأنه مندوب . انتهى .
وقد صرح بوجوبه أهل الظاهر ، فكأن الشيخ لم يراجع كلامهم فيه أو لم يعتد بخلافهم .
قوله : ( فإنما هو شيطان ) أي فعله فعل الشيطان ; لأنه أبى إلا التشويش على المصلي . وإطلاق الشيطان على المارد من الإنس سائغ شائع وقد جاء في القرآن قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112شياطين الإنس والجن . وقال ابن بطال : في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين ، وأن الحكم للمعاني دون الأسماء ، لاستحالة أن يصير المار شيطانا بمجرد مروره . انتهى . وهو مبني على أن لفظ " الشيطان " يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي ، وفيه بحث .
ويحتمل أن يكون المعنى : فإنما الحامل له على ذلك الشيطان . وقد وقع في رواية للإسماعيلي " فإنما هو شيطان " ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ " فإن معه القرين " . واستنبط ابن أبي جمرة من قوله " فإنما هو شيطان " أن المراد بقوله " فليقاتله " المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال ، قال : لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها ، وإنما جاز الفعل اليسير في الصلاة للضرورة ، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار . قال : وهل المقاتلة لخلل يقع في [ ص: 696 ] صلاة المصلي من المرور ، أو لدفع الإثم عن المار ؟ الظاهر الثاني . انتهى . وقال غيره : بل الأول أظهر ; لأن إقبال المصلي على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره . وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود " أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته " وروى أبو نعيم عن عمر " لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس " . فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي ، ولا يختص بالمار ، وهما وإن كانا موقوفين لفظا فحكمهما حكم الرفع ; لأن مثلهما لا يقال بالرأي .