قوله ( باب التسمية على الطعام ، والأكل باليمين ) المراد بالتسمية على الطعام قول بسم الله في ابتداء الأكل ، وأصرح ما ورد في صفة التسمية ما أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعا " nindex.php?page=hadith&LINKID=846027إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله ، فإن نسي في أوله فليقل : بسم الله في أوله وآخره " وله شاهد من حديث أمية بن مخشي عند أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وأما قول النووي في أدب الأكل من " الأذكار " : صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته ، والأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة . فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا ، وأما ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في آداب الأكل من " الإحياء " أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسنا ، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم ، فلم أر لاستحباب ذلك دليلا ، والتكرار قد بين هو وجهه بقوله حتى لا يشغله الأكل عن ذكر الله . وأما قوله " والأكل باليمين " فيأتي البحث فيه ، وهو يتناول من يتعاطى ذلك بنفسه ، وكذا بغيره بأن يحتاج إلى أن يلقمه غيره ولكنه بيمينه لا بشماله .
قوله ( أخبرنا سفيان ، قال الوليد بن كثير أخبرني ) كذا وقع هنا وهو من تأخير الصيغة عن الراوي ، وهو جائز . وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي في مسنده وأبو نعيم في " المستخرج " من طريقه عن سفيان قال " حدثنا الوليد بن كثير " وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن سفيان عن الوليد بالعنعنة ثم قال آخره " فسألوه عن إسناده فقال : حدثني الوليد بن كثير " ولعل هذا هـو السر في سياق علي بن عبد الله له على هذه الكيفية ، ولسفيان بن عيينة في هذا الحديث سند آخر أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن محمد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن محمد بن الصباح كلاهما عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة ، وقد اختلف على هشام في سنده فكأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عرج عن هذه الطريق لذلك .
قوله ( عمر بن أبي سلمة ) أي ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، واسم أبي سلمة [ ص: 432 ] عبد الله ، وأم عمر المذكور هي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك جاء في آخر الباب الذي يليه وصفه بأنه " ربيب النبي صلى الله عليه وسلم "
قوله ( كنت غلاما ) أي دون البلوغ ، يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم غلام ، وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة بأرض الحبشة ، وتبعه غير واحد ، وفيه نظر بل الصواب أنه ولد قبل ذلك ، فقد صح في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال " كنت أنا nindex.php?page=showalam&ids=5842وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق ، وكان أكبر مني بسنتين " انتهى . ومولد ابن الزبير في السنة الأولى على الصحيح فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين .
قوله ( في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم ، أي في تربيته وتحت نظره وأنه يربيه في حضنه تربية الولد ، قال عياض : الحجر يطلق على الحضن وعلى الثوب فيجوز فيه الفتح والكسر ، وإذا أريد به معنى الحضانة فبالفتح لا غير ، فإن أريد به المنع من التصرف فبالفتح في المصدر وبالكسر في الاسم لا غير .
قوله ( وكانت يدي تطيش في الصحفة ) أي عند الأكل ، ومعنى تطيش - وهو بالطاء المهملة والشين المعجمة بوزن تطير تتحرك فتميل إلى نواحي القصعة ولا تقتصر على موضع واحد ، قاله الطيبي قال : والأصل أطيش بيدي فأسند الطيش إلى يده مبالغة ، وقال غيره : معنى تطيش تخف وتسرع وسيأتي في الباب الذي يليه بلفظ " أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما فجعلت آكل من نواحي الصحفة " وهو يفسر المراد ، والصحفة ما تشبع خمسة ونحوها ، وهي أكبر من القصعة . ووقع في رواية الترمذي من طريق عروة " عن عمر بن أبي سلمة nindex.php?page=hadith&LINKID=846028أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام فقال : ادن يا بني " ويأتي في الرواية التي في آخر الباب الذي يليه " nindex.php?page=hadith&LINKID=846029أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وعنده ربيبه " والجمع بينهما أن مجيء الطعام وافق دخوله .
قوله ( يا غلام سم الله ) قال النووي : أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله ، وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظر ، إلا إن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل ، وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك ، وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة .
قوله ( وكل بيمينك ومما يليك ) قال شيخنا في " شرح الترمذي " . حمله أكثر الشافعية على الندب ، وبه جزم nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ثم النووي ، لكن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الرسالة " وفي موضع آخر من " الأم " على الوجوب . قلت : وكذا ذكره عنه الصيرفي في " شرح الرسالة " ونقل " البويطي في مختصره " أن الأكل من رأس الثريد والتعريس على الطريق والقران في التمر وغير ذلك مما ورد الأمر بضده حرام ، ومثل nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي في منهاجه للندب بقوله صلى الله عليه وسلم " كل مما يليك " وتعقبه تاج الدين السبكي في شرحه بأن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي نص في غير موضع على أن من أكل مما لا يليه عالما بالنهي كان عاصيا آثما . قال : وقد جمع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب له سماه " كشف اللبس عن المسائل الخمس " ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب . قلت : ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع nindex.php?page=hadith&LINKID=846030أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال : كل بيمينك قال : لا أستطيع . قال : لا استطعت . فما رفعها إلى فيه بعد وأخرج [ ص: 433 ] nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث سبيعة الأسلمية من حديث عقبة بن عامر nindex.php?page=hadith&LINKID=846031أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها فقال : أخذها داء غزة ، فقال : إن بها قرحة ، قال : وإن ، فمرت بغزة فأصابها طاعون فماتت وأخرج محمد بن الربيع الجيزي في " مسند الصحابة الذين نزلوا مصر " وسنده حسن وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم وعند أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته " nindex.php?page=hadith&LINKID=846032من أكل بشماله أكل معه الشيطان " الحديث . ونقل الطيبي أن معنى قوله " إن الشيطان يأكل بشماله أي يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليضاد به عباد الله الصالحين " قال الطيبي : وتحريره لا تأكلوا بالشمال ، فإن فعلتم كنتم من أولياء الشيطان ، فإن الشيطان يحمل أولياءه على ذلك انتهى . وفيه عدول عن الظاهر ، والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك ، وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله ، وحكى القرطبي في ذلك احتمالين ثم قال : والقدرة صالحة . ثم ذكر من عند مسلم أن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، قال : وهذا عبارة عن تناوله ، وقيل معناه استحسانه رفع البركة من ذلك الطعام إذا لم يذكر اسم الله قال القرطبي وقوله صلى الله عليه وسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=846033فإن الشيطان يأكل بشماله " ظاهره أن من فعل ذلك تشبه بالشيطان ، وأبعد وتعسف من أعاد الضمير في شماله على الآكل .
قال النووي : في هذه الأحاديث استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهة ذلك بالشمال ، وكذلك كل أخذ وعطاء كما وقع في بعض طرق حديث ابن عمر ، وهذا إذا لم يكن عذر من مرض أو جراحة فإن كان فلا كراهة كذا قال ، وأجاب عن الإشكال في الدعاء على الرجل الذي فعل ذلك واعتذر فلم يقبل عذره بأن عياضا ادعى أنه كان منافقا ، وتعقبه النووي بأن جماعة ذكروه في الصحابة وسموه بسرا بضم الموحدة وسكون المهملة ، واحتج عياض بما ورد في خبره أن الذي حمله على ذلك الكبر ، ورده النووي بأن الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق لكنه معصية إن كان الأمر أمر إيجاب . قلت : ولم ينفصل عن اختياره أن الأمر أمر ندب ، وقد صرح nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي بإثم من أكل بشماله ، واحتج بأن كل فعل ينسب إلى الشيطان حرام . وقال القرطبي هذا الأمر على جهة الندب لأنه من باب تشريف اليمين على الشمال لأنها أقوى في الغالب وأسبق للأعمال وأمكن في الأشغال ، وهي مشتقة من اليمن ، وقد شرف الله أصحاب الجنة إذ نسبهم إلى اليمين ، وعكسه في أصحاب الشمال قال : وعلى الجملة فاليمين وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعا ودينا ، والشمال على نقيض ذلك ، وإذا تقرر ذلك فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة ، وقال أيضا : كل هذه الأوامر من المحاسن المكملة والمكارم المستحسنة والأصل فيما كان من هذا الترغيب والندب قال : وقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=846034كل مما يليك " محله ما إذا كان الطعام نوعا واحدا ، لأن كل أحد كالحائز لما يليه من الطعام ، فأخذ الغير له تعد عليه ، مع ما فيه من تقذر النفس مما خاضت فيه الأيدي ، ولما فيه من إظهار الحرص والنهم ، وهو مع ذلك سوء أدب بغير فائدة ، أما إذا اختلفت الأنواع فقد أباح ذلك العلماء . كذا قال .