قوله : ( وكان يحجره من الليل ويبسطه بالنهار ) وهكذا ضبطناه ( يحجر ) بضم الياء وفتح الحاء وكسر الجيم المشددة أي يتخذه حجرة كما في الرواية الأخرى . وفيه : إشارة إلى ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الزهادة في الدنيا والإعراض عنها ، والإثراء من متاعها بما لا بد منه .
قوله : ( فثابوا ذات ليلة ) أي اجتمعوا . وقيل : رجعوا للصلاة .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505174فإن الله لا يمل حتى تملوا ) هو بفتح الميم فيهما ، وفي الرواية الأخرى : ( لا يسأم حتى تسأموا ) وهما بمعنى قال العلماء : الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى ، فيجب تأويل الحديث . قال المحققون : معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه ، وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم ، وقيل : معناه لا يمل إذا مللتم ، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وغيره ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره ، وأنشدوا فيه شعرا . قالوا : ومثاله قولهم في البليغ : فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه . معناه : لا ينقطع إذا انقطع خصومه ، ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره ، وفي هذا الحديث كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - ورأفته بأمته ؛ لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر فتكون النفس أنشط والقلب منشرحا فتتم العبادة ، بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب ، فيفوته خير عظيم ، وقد ذم الله - سبحانه وتعالى - من اعتاد عبادة ثم أفرط فقال تعالى : ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وقد ندم nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف العبادة ومجانبة التشديد .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل ) هكذا ضبطناه ( دووم عليه ) ، وكذا هو في معظم النسخ ( دووم ) بواوين ووقع في بعضها ( دوم ) بواو واحدة ، والصواب الأول . وفيه : الحث على المداومة على العمل وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع ، وإنما كان القليل الدائم خيرا من [ ص: 403 ] الكثير المنقطع ؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى ، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة .
قوله : ( وكان آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عملوا عملا أثبتوه ) أي لازموه وداوموا عليه والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه وقرابته ونحوهم .