[ ص: 422 ] قوله : ( لببته بردائه ) هو بتشديد الباء الأولى معناه : أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجررته ، به مأخوذ من اللبة بفتح اللام ؛ لأنه يقبض عليها ، وفي هذا بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن والذب عنه ، والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما تجوزه العربية .
وأما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر [ ص: 423 ] بإرساله فلأنه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره ، ولأن عمر إنما نسبه إلى مخالفته في القراءة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر ، ولأنه إذا قرأ وهو يلبث لم يتمكن من حضور البال وتحقيق القراءة تمكن المطلق .
قوله - صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505195إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ) قال العلماء : سبب إنزاله على سبعة التخفيف والتسهيل ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( هون على أمتي ) كما صرح به في الرواية الأخرى ، واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف . قال القاضي عياض : قيل هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر ، قال : وقال الأكثرون : هو حصر للعدد في سبعة ، ثم قيل : هي سبعة في المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي . ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة .
وقال آخرون : هي في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد ؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه ، فيسر الله تعالى [ ص: 424 ] عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه . وقال آخرون : هي الألفاظ والحروف ، وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب ، ثم اختلف هؤلاء فقيل : سبع قراءات وأوجه . وقال أبو عبيد : سبع لغات العرب يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها . وقيل : بل السبعة كلها لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة . وقيل : بل هي مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى وعبد الطاغوت و نرتع ونلعب و باعد بين أسفارنا و بعذاب بئيس وغير ذلك .
وقال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر بن الباقلاني : الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضبطها عنه الأمة ، وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها ، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا ، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى وليست متضاربة ولا متنافية . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أن القراء بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة ، فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة .
قال الداودي : وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة بل تكون مفرقة فيها . وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة : القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث ، وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف ، وهذا ذكره [ ص: 425 ] النحاس وغيره . قال غيره : ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في الحديث في ختمة واحدة ، ولا يدرى أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلها مستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضبطها عنه الأمة وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابة ، أي أنه كان أكثر قراءة به ، كما أضيف كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم .
قال المازري : وأما قول من قال : المراد سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف ، وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام . قال : وقول من قال المراد خواتيم الآي فيجعل مكان غفور رحيم سميع بصير فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس ، هذا مختصر ما نقله القاضي عياض في المسألة . والله أعلم .