قوله : ( قال ابن عباس : وكنت أضرب مع nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب الناس عليها ) هكذا وقع في بعض الأصول ( أضرب الناس عليها ) وفي بعض ( أصرف الناس عنها ) وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما ، وكان يضربهم عليها في وقت ويصرفهم عنها في وقت من غير ضرب ، أو يصرفهم مع الضرب ، ولعله كان يضرب من بلغه النهي ، ويصرف من لم يبلغه من غير ضرب . وقد جاء في غير مسلم أنه كان يضرب عليها بالدرة ، وفيه احتياط الإمام لرعيته ومنعهم من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليهما .
[ ص: 438 ] قوله : ( قال كريب : فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت : سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة ) هذا فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم ويعلم أن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكنه . وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم . وفيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجته ، وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه ، ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة ؛ لأنهم إنما أرسلوه إلى عائشة ، فلما أرشدته عائشة إلى أم سلمة وكان رسولا للجماعة لم يستقل بالذهاب حتى رجع إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها .
قولها : ( وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار ) قد سبق مرات أن بني حرام بالراء ، وأن حراما في الأنصار وحزاما بالزاي في قريش .
قولها : ( فأرسلت إليه الجارية ) فيه قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
قولها : ( فقولي له تقول أم سلمة ) إنما قالت عن نفسها : تقول أم سلمة فكنت نفسها ، ولم تقل هند باسمها ؛ لأنها معروفة بكنيتها ، ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية ، إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالبا إلا بها ، وكنيت بأبيها nindex.php?page=showalam&ids=16021سلمة بن أبي سلمة وكان صحابيا ، وقد ذكرت أحواله في ترجمتها من تهذيب الأسماء .
[ ص: 439 ] قولها : ( إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما ) معنى : ( أسمعك ) سمعتك في الماضي ، وهو من إطلاق لفظ المضارع لإرادة الماضي كقوله تعالى : قد نرى تقلب وجهك وفي هذا الكلام أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئا يخالف المعروف من طريقته والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه ، فإن كان ناسيا رجع عنه ، وإن كان عامدا وله معنى مخصص عرفه التابع واستفاده ، وإن كان مخصوصا بحال يعلمها ولم يتجاوزها . وفيه مع هذه الفوائد فائدة أخرى وهي أنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن السيئ بتعارض الأفعال أو الأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد .
قولها : ( فأشار بيده ) فيه أن إشارة المصلي بيده ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة .
قوله - صلى الله عليه وسلم : ( إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان ) فيه فوائد منها إثبات سنة الظهر بعدها ، ومنها : أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها ، وهو الصحيح عندنا ، ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي ، وإنما يكره ما لا سبب لها .
وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لنا أصح دلالة منه ، ودلالته ظاهرة فإن قيل : فقد داوم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها ، ولا يقولون بهذا ، قلنا : لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره أحدهما القول به ، فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهي كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت .
والثاني : وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك ، وهذا من خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتحصل الدلالة بفعله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الأول ، فإن قيل : هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا : الأصل الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به ، بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص وهي أنه - صلى الله عليه وسلم - بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي ، وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء .
ومن فوائده أن صلاة النهار مثنى مثنى كصلاة الليل ، وهو مذهبنا ، ومذهب الجمهور ، وقد سبقت المسألة . ومنها : أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بدئ بأهمها ، ولهذا بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث القوم في الإسلام ، وترك سنة الظهر حتى فات وقتها ؛ ( لأن الاشتغال بإرشادهم وهدايتهم وقومهم إلى الإسلام أهم .