قولها : ( وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت : وليستا بمغنيتين ) أما بعاث فبضم الباء الموحدة وبالعين المهملة ويجوز صرفه وترك صرفه وهو الأشهر ، وهو يوم جرت فيه بين قبيلتي الأنصار : الأوس والخزرج في الجاهلية حرب ، وكان الظهور فيه للأوس . قال القاضي : قال الأكثرون من أهل اللغة وغيرهم : هو بالعين المهملة ، وقال أبو عبيدة : بالغين المعجمة ، والمشهور المهملة كما قدمناه . وقولها : وليستا بمغنيتين معناه : ليس الغناء عادة لهما ، ولا هما معروفتان به . واختلف العلماء في الغناء فأباحه جماعة من أهل الحجاز وهي رواية عن مالك ، وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق ، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كراهته وهو المشهور من مذهب مالك ، واحتج المجوزون بهذا الحديث وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك ، مما لا مفسدة فيه ، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ، ويحملها على البطالة [ ص: 488 ] والقبيح .
قال القاضي : إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة ، وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه ، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد ، ولهذا قالت : وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل : ( الغناء فيه الزنا ) وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا ، والعرب تسمي الإنشاد غناء ، وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح ، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم ، وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه وهذا ومثله ليس بحرام ولا يخرج الشاهد .
قوله : ( أبمزمور الشيطان ) هو بضم الميم الأولى وفتحها ، والضم أشهر ، ولم يذكر القاضي غيره . ويقال أيضا : مزمار بكسر الميم ، وأصله صوت بصفير ، والزمير الصوت الحسن ، ويطلق على الغناء أيضا .
قوله : ( أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم . وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتا على الكبير ، بل هو أدب ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه ، وإنما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهن لأنه مباح لهن وتسجى بثوبه وحول وجهه إعراضا عن اللهو ، ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن ، وكان هذا من رأفته - صلى الله عليه وسلم - وحلمه وحسن خلقه .
قوله : ( جاريتان تلعبان بدف ) هو بضم الدال وفتحها والضم أفصح وأشهر ففيه مع قوله - صلى الله عليه وسلم : ( هذا عيدنا ) أن ضرب دف العرب مباح في يوم السرور الظاهر ، وهو العيد والعرس والختان .