[ ص: 502 ] [ ص: 503 ] باب صلاة الكسوف وذكر عذاب القبر فيها وما عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف عن الجنة والنار
يقال : كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف وكسفا بضمها وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا بمعنى . وقيل : كسف الشمس بالكاف ، وخسف القمر بالخاء . وحكى القاضي عياض عكسه عن بعض أهل اللغة والمتقدمين ، وهو باطل مردود بقول الله تعالى وخسف القمر ثم جمهور أهل العلم وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ، ويكون لذهاب بعضه . وقال جماعة منهم الإمام الليث بن سعد : الخسوف في الجميع ، والكسوف في بعض . وقيل : الخسوف ذهاب لونهما ، والكسوف تغيره . واعلم أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة ذكر مسلم منها جملة وأبو داود أخرى ، وغيرهما أخرى ، وأجمع العلماء على أنها سنة ، ومذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أنه يسن فعلها جماعة ، وقال العراقيون فرادى ، وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره ، واختلفوا في صفتها فالمشهور في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان ، وأما السجود فسجدتان كغيرهما وسواء تمادى الكسوف أم لا ، وبهذا قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وجمهور علماء الحجاز وغيرهم . وقال الكوفيون : هما ركعتان كسائر النوافل عملا بظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة وأبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين ، وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة nindex.php?page=showalam&ids=16693وعمرة وحديث جابر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13وابن عمرو بن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وهذا أصح ما في هذا الباب . قال : وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة ، وحملوا حديث ابن سمرة بأنه مطلق وهذه الأحاديث تبين المراد به ، [ ص: 504 ] وذكر مسلم في رواية عن عائشة وعن ابن عباس وعن جابر ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات ، ومن رواية ابن عباس وعلي ركعتين في كل ركعة أربع ركعات . قال الحفاظ : الروايات الأول أصح ، ورواتها أحفظ وأضبط ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=14724لأبي داود من رواية أبي بن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركعات ، وقد قال بكل نوع بعض الصحابة ، وقال جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين وجماعة من غيرهم : هذا الاختلاف في الروايات بحسب اختلاف حال الكسوف ، ففي بعض الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركعات ، وفي بعضها أسرع الانجلاء فاقتصر ، وفي بعضها توسط بين الإسراع والتأخر فتوسط في عدده ، واعترض الأولون على هذا بأن تأخر الانجلاء لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء ، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه ، منوي من أول الحال . وقال جماعة من العلماء منهم إسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر : جرت صلاة الكسوف في أوقات ، واختلاف صفاتها محمول على بيان جواز جميع ذلك ، فتجوز صلاتها على كل واحد من الأنواع الثابتة ، وهذا قوي والله أعلم . واتفق العلماء على أنه يقرأ الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة ، واختلفوا في القيام الثاني ، فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه ، وقال محمد بن مسلمة من المالكية : لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني ، واتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر من القيام الأول والركوع ، وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منهما من الثانية . واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى؟ ويكون هذا معنى قوله في الحديث : ( وهو دون القيام الأول ودون الركوع الأول ) أم يكونان سواء ويكون قوله : ( دون القيام والركوع الأول أي أول قيام وأول ركوع . واتفقوا على استحباب إطالة القراءة والركوع فيهما كما جاءت الأحاديث . ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام وأدى طمأنينته في كل ركوع صحت صلاته وفاته الفضيلة . واختلفوا في استحباب إطالة السجود فقال جمهور أصحابنا : لا يطوله بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات . وقال المحققون منهم : يستحب إطالته نحو الركوع الذي قبله ، وهذا هو المنصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في البويطي ، وهو الصحيح للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك . ويقول في كل رفع من ركوع : سمع الله لمن حمده ثم يقول عقبه : ربنا لك الحمد إلى آخره . والأصح استحباب التعوذ في ابتداء الفاتحة في كل قيام ، وقيل : يقتصر عليه في القيام الأول . واختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وفقهاء أصحاب الحديث : يستحب بعدها خطبتان ، وقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : لا يستحب ذلك . ودليل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما nindex.php?page=hadith&LINKID=3505264أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب بعد صلاة الكسوف .
قوله : ( فأطال القيام جدا ، وأطال الركوع جدا ، ثم سجد ثم قام فأطال القيام ) هذا مما يحتج به من يقول لا يطول السجود ، وحجة الآخرين الأحاديث المصرحة بتطويله ، ويحمل هذا المطلق عليها .
وقوله : ( جدا ) بكسر الجيم وهو منصوب على المصدر أي جدا جدا .
[ ص: 505 ] قوله : ( بعد أن وصف الصلاة ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تجلت الشمس فخطب الناس ) فيه دليل nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي وموافقيه في استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف كما سبق بيانه ، وفيه أن الخطبة لا تفوت بالانجلاء بخلاف الصلاة .
قوله : ( فحمد الله وأثنى عليه ) دليل على أن الخطبة يكون أولها الحمد لله والثناء عليه . ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن لفظة الحمد لله متعينة فلو قال معناها لم تصح خطبته .
قوله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث الباب : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505265إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ) وفي رواية أنهم قالوا : كسفت لموت إبراهيم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام ردا عليهم . قال العلماء : والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجاهلية الضلال كانوا يعظمون الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما ، بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما ، وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقول : لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو نحو ذلك ، فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم لا سيما وقد صادف موت إبراهيم رضي الله عنه .
قوله - صلى الله عليه وسلم : ( فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا ) فيه الحث على هذه الطاعات وهو أمر استحباب .
[ ص: 506 ] قوله - صلى الله عليه وسلم : ( ألا هل بلغت ) معناه ما أمرت به من التحذير والإنذار وغير ذلك مما أرسل به ، والمراد تحريضهم على تحفظه واعتنائهم به لأنه مأمور بإنذارهم .