قوله : ( فوجب أجرنا على الله ) معناه : وجوب إنجاز وعد بالشرع لا وجوب بالعقل كما تزعمه المعتزلة ، وهو نحو ما في الحديث حق العباد على الله وقد سبق شرحه في كتاب الإيمان .
قوله : ( فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ) معناه : لم يوسع عليه في الدنيا ، ولم يعجل له شيء من جزاء عمله .
قوله : ( فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة ) هي كساء ، وفيه دليل على أن الكفن من رأس المال ، وأنه مقدم على الديون ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفينه في نمرته ولم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا ؟ ولا يبعد من حال من لا يكون عنده إلا نمرة أن يكون عليه دين . واستثنى أصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال ، فيقدم على الكفن ، وذلك كالعبد الجاني والمرهون ، والمال الذي تعلقت به زكاة أو حق بائعه بالرجوع بإفلاس ونحو ذلك .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر ) هو بكسر الهمزة والخاء ، وهو حشيش معروف طيب الرائحة . وفيه : دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس ، وجعل النقص مما يلي الرجلين ويستر الرأس ، فإن ضاق عن ذلك سترت العورة فإن فضل شيء جعل فوقها ، فإن ضاق عن العورة سترت السوأتان ؛ لأنهما أهم وهما الأصل في [ ص: 9 ] العورة . وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط ، ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن . فإن قيل : لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله : لم يوجد له غيرها ، فجوابه : أن معناه : لم يوجد مما يملك الميت إلا نمرة ، ولو كان ستر جميع البدن واجبا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته ، فإن كان وجب عليه . فإن قيل : كانوا عاجزين عن ذلك ؛ لأن القضية جرت يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو وغير ذلك ، فجوابه : أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها . والله أعلم .
قوله : ( منا من أينعت له ثمرته ) أي : أدركت ونضجت .
قوله : ( فهو يهدبها ) هو بفتح أوله وبضم الدال وكسرها ، أي يجتنيها . يقال : ينع الثمر وأينع ينعا وينوعا فهو يانع . وهدبها يهدبها إذا جناها ، وهذه استعارة لما فتح عليهم من الدنيا .