وفي هذا الحديث استحباب توكيد الكلام المهتم بتكراره ليحفظ ، وليكون أبلغ .
وأما معناه ففيه قولان للعلماء : أحدهما : أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل فكان ثناؤهم مطابقا لأفعاله فيكون من أهل الجنة ، فإن لم يكن كذلك فليس هو مرادا بالحديث .
والثاني : وهو الصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة ، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا ، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تحتم عليه العقوبة ، بل هو [ ص: 19 ] في خطر المشيئة ، فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له ، وبهذا تظهر فائدة الثناء .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وجبت وأنتم شهداء الله ) ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة ، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له فائدة . فإن قيل : كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات ؟ فالجواب : أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار ، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة ، فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم ، ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم ، وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شرا كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرناه . هذا هو الصواب في الجواب عنه ، وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب ، وقد بسطت معناه بدلائله في كتاب الأذكار .
قوله : ( فأثني عليها شرا ) قال أهل اللغة ( الثناء ) بتقديم الثاء وبالمد يستعمل في الخير ولا يستعمل في الشر ، هذا هو المشهور ، وفيه لغة شاذة أنه يستعمل في الشر أيضا ، وأما النثا بتقديم النون وبالقصر فيستعمل في الشر خاصة ، وإنما استعمل الثناء الممدود هنا في الشر مجازا لتجانس الكلام كقوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة ومكروا ومكر الله .