قوله : ( قال عمرو : وحدثنا سفيان بن عيينة قال وقال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ) هكذا هو في النسخ ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج بالواو وهي صحيحة مليحة ، وإنما أتى بالواو لأن ابن عيينة قال لعمرو : قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج كذا فإذا روى عمرو الثاني من تلك الأحاديث أتى بالواو ؛ لأن ابن عيينة قال في الثاني : وقال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج كذا ، وقد سبق التنبيه على مثل هذا مرات في أول الكتاب .
[ ص: 89 ] قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو الناقد : ( مثل المنفق والمتصدق كمثل رجل عليه جبتان أو جنتان من لدن ثديهما إلى تراقيهما ) ثم قال : ( فإذا أراد المنفق أن يتصدق سبغت وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت ) هكذا وقع هذا الحديث في جميع النسخ من رواية عمرو ( مثل المنفق والمتصدق ) قال القاضي وغيره : هذا وهم ، وصوابه مثل ما وقع في باقي الروايات مثل البخيل والمتصدق ، وتفسيرهما آخر الحديث يبين هذا ، وقد يحتمل أن صحة رواية عمرو هكذا أن تكون على وجهها ، وفيها محذوف تقديره : مثل المنفق والمتصدق وقسيمهما وهو البخيل ، وحذف البخيل لدلالة المنفق والمتصدق عليه كقول الله تعالى : سرابيل تقيكم الحر أي والبرد ، وحذف ذكر البرد لدلالة الكلام عليه . وأما قوله : ( والمتصدق ) فوقع في بعض الأصول ( المتصدق ) بالتاء ، وفي بعضها ( المصدق ) بحذفها وتشديد الصاد ، وهما صحيحان . وأما قوله : ( كمثل رجل ) فهكذا وقع في الأصول كلها ( كمثل رجل ) بالإفراد ، والظاهر أنه تغيير من بعض الرواة ، وصوابه : ( كمثل رجلين ) . وأما قوله : ( جبتان أو جنتان ) ، فالأول بالباء والثاني بالنون ، ووقع في بعض الأصول عكسه . وأما قوله : ( من لدن ثديهما ) فكذا هو في كثير من النسخ المعتمدة أو أكثرها ( ثديهما ) بضم الثاء وبياء واحدة مشددة على الجمع ، وفي بعضهما ( ثدييهما ) بالتثنية ، قال القاضي عياض : وقع في هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة وتصحيف وتحريف وتقديم وتأخير ، ويعرف صوابه من الأحاديث التي بعده ، فمنه : مثل المنفق والمتصدق ، وصوابه : المتصدق والبخيل ، ومنه : كمثل رجل ، وصوابه : رجلين عليهما جنتان ، ومنه قوله : جنتان أو جبتان بالشك ، وصوابه ( جنتان ) بالنون بلا شك ، كما في الحديث الآخر بالنون بلا شك . والجنة : الدرع ، ويدل عليه في الحديث نفسه قوله : ( فأخذت كل حلقة [ ص: 90 ] موضعها ) وفي الحديث الآخر : ( جنتان من حديد ) ، ومنه قوله سبغت عليه أو ( مرت ) كذا هو في النسخ ( مرت ) بالراء ، قيل : إن صوابه ( مدت ) بالدال بمعنى سبغت ، وكما قال في الحديث الآخر ( انبسطت ) ، لكنه قد يصح مرت على نحو هذا المعنى . والسابغ : الكامل ، وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ( مادت ) بدال مخففة من ( ماد ) إذا مال ، ورواه بعضهم ( مارت ) ومعناه : سالت عليه وامتدت ، وقال الأزهري : معناه : ترددت وذهبت وجاءت يعني لكمالها ، ومنه قوله : ( وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت عليه وأخذت كل حلقة موضعها حتى تجن بنانه ، ويعفو أثره ، قال : فقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : يوسعها فلا تتسع ) .
وفي هذا الكلام اختلال كثير ، لأن قوله : ( تجن بنانه ويعفو أثره ) إنما جاء في المتصدق لا في البخيل ، وهو على ضد ما هو وصف البخيل في قوله : ( قلصت كل حلقة موضعها ) وقوله : ( يوسعها فلا تتسع ) وهذا من وصف البخيل ، فأدخله في وصف المتصدق فاختل الكلام وتناقض ، وقد ذكر في الأحاديث على الصواب ، ومنه رواية بعضهم : " تحز ثيابه " بالحاء والزاي وهو وهم ، والصواب رواية الجمهور ( تجن ) بالجيم والنون أي تستر ، ومنه رواية بعضهم ( ثيابه ) بالثاء المثلثة وهو وهم ، والصواب ( بنانه ) بالنون ، وهو رواية الجمهور كما قال في الحديث الآخر ( أنامله ) ومعنى تقلصت : انقبضت ، ومعنى ( يعفو أثره ) أي يمحى أثر مشيه بسبوغها وكمالها ، وهو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق ، والبخل بضد ذلك ، وقيل : هو تمثيل لكثرة الجود والبخل ، وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك ، إذا أمسك صار ذلك عادة له ، وقيل : معنى يمحو أثره أي يذهب بخطاياه ويمحوها ، وقيل : في البخيل ( قلصت ولزمت كل حلقة مكانها ) أي يحمى عليه يوم القيامة فيكوى بها ، والصواب الأول ، والحديث جاء على التمثيل لا على الخبر عن كائن ، وقيل : ضرب المثل بهما ؛ لأن المنفق يستره الله تعالى بنفقته ، ويستر عوراته في الدنيا والآخرة كستر هذه الجنة لابسها ، والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه فيبقى مكشوفا بادي العورة مفتضحا في الدنيا والآخرة . هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى .