قوله صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) قال القاضي : إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك ، وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه ، والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبينا ، والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين ودنت منهم الشمس واشتد عليهم حرها ، وأخذهم العرق ، ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش ، وقد يراد به هنا ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما [ ص: 100 ] قال تعالى : وندخلهم ظلا ظليلا قال القاضي : وقال ابن دينار : المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكف من المكاره في ذلك الموقف ، قال : وليس المراد ظل الشمس ، قال القاضي : وما قاله معلوم في اللسان ، يقال : فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته ، قال : وهذا أولى بالأقوال ، وتكون إضافته إلى العرش ؛ لأنه مكان التقريب والكرامة ، وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش ، وفي ظله .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام العادل ) قال القاضي : هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام ، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه . ووقع في أكثر النسخ ( الإمام العادل ) وفي بعضها ( الإمام العدل ) وهما صحيحان .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( وشاب نشأ بعبادة الله ) هكذا هو في جميع النسخ ( نشأ بعبادة الله والمشهور في روايات هذا الحديث : ( نشأ في عبادة الله ) وكلاهما صحيح ، ومعنى رواية الباء : نشأ متلبسا للعبادة أو مصاحبا لها أو ملتصقا بها .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورجل قلبه معلق في المساجد ) هكذا هو في النسخ كلها ( في المساجد ) وفي غير هذه الرواية : ( بالمساجد ) ووقع في هذه الرواية في أكثر النسخ ( معلق في المساجد ) وفي بعضها ( متعلق ) بالتاء ، وكلاهما صحيح ، ومعناه : شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها ، وليس معناه : دوام القعود في المسجد .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) معناه : اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله ، أي كان سبب اجتماعهما حب الله ، واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما . وفي هذا الحديث : الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات ، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان ، وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ) قال القاضي : يحتمل قوله : ( أخاف الله ) باللسان ، ويحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه ، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها ، وهي جامعة للمنصب والجمال لا سيما وهي داعية إلى نفسها ، طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها ، فالصبر عنها لخوف الله تعالى - وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال - من أكمل المراتب وأعظم الطاعات ، فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله ، وذات المنصب هي : ذات الحسب والنسب الشريف . ومعنى ( دعته ) أي دعته إلى الزنا بها ، هذا هو الصواب في معناه . وذكر القاضي فيه احتمالين أصحهما هذا ، والثاني : أنه يحتمل أنها دعته لنكاحها فخاف العجز [ ص: 101 ] عن القيام بحقها أو أن الخوف من الله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ) هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها ، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات نسخ مسلم ( لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ) والصحيح المعروف ( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) هكذا رواه مالك في الموطأ nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في صحيحه وغيرهما من الأئمة وهو وجه الكلام ؛ لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين . قال القاضي : ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم لا من مسلم بدليل إدخاله بعده حديث مالك - رحمه الله - وقال بمثل حديث عبيد ، وبين الخلاف في قوله : ( وقال : رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود ) فلو كان ما رواه مخالفا لروايةمالك لنبه عليه كما نبه على هذا .