[ ص: 218 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505521قال الله تعالى : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ) اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى ، فقيل : سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به ، فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام ، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك ، وقيل : لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه ، بخلاف الصلاة والحج والغزوة والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة ، وقيل : لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ ، قالهnindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، قال : وقيل : إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى ، فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء ، وقيل : معناه : أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته وغيره من العبادات ، أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها ، وقيل : هي إضافة تشريف ، كقوله تعالى : ناقة الله مع أن العالم كله لله تعالى .
وقوله تعالى : ( وأنا أجزي به ) بيان لعظم فضله ، وكثرة ثوابه ؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء .
[ ص: 219 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505522لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة ) وفي رواية : ( لخلوف ) هو بضم الخاء فيهما وهو تغير رائحة الفم ، هذا هو الصواب فيه بضم الخاء ، كما ذكرناه ، وهو الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره من أهل الغريب ، وهو المعروف في كتب اللغة ، وقال القاضي : الرواية الصحيحة بضم الخاء ، قال : وكثير من الشيوخ يرويه بفتحها ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وهو خطأ . قال القاضي : وحكي عن الفارسي فيه الفتح والضم ، وقال : أهل المشرق يقولونه بالوجهين ، والصواب : الضم ، ويقال : ( خلف فوه ) بفتح الخاء واللام ، ( يخلف ) بضم اللام ، و ( أخلف يخلف ) إذا تغير ، وأما معنى الحديث : فقال القاضي : قال المازري : هذا مجاز واستعارة ؛ لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه ، وتنفر من شيء فتستقذره ، والله تعالى متقدس عن ذلك ، لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا ، فاستعير ذلك في الصوم ، لتقريبه من الله تعالى .
قال القاضي : وقيل : يجازيه الله تعالى به في الآخرة ، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك ، كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك .
وقيل : يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك .
وقيل : رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا ، وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه .
والأصح ما قاله الداودي من المغاربة ، وقاله من قال من أصحابنا : إن الخلوف أكثر ثوابا من المسك ، حيث ندب إليه في الجمع والأعياد [ ص: 220 ] ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير .
واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال ؛ لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته ، وإن كان السواك فيه فضل أيضا ؛ لأن فضيلة الخلوف أعظم وقالوا : كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب ، ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب ، فإذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب فترك السواك الذي ليس هو واجبا للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى . والله أعلم .