قولها : ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) ضبطوا ( لحرمه ) بضم الحاء وكسرها ، وقد سبق في شرح مقدمة مسلم ، والضم أكثر ، ولم يذكر الهروي وآخرون غيره ، وأنكر ثابت الضم على المحدثين ، وقال : الصواب الكسر ، والمراد بحرمه : الإحرام بالحج .
وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام ، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام ، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام ، وهذا مذهبنا ، وبه قال خلائق من الصحابة والتابعين وجماهير المحدثين والفقهاء ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وابن الزبير ومعاوية nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وأبو يوسف وأحمد وداود وغيرهم ، وقال آخرون بمنعه منهم : الزهري nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ومحمد بن الحسن ، وحكي أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين ، قال القاضي : وتأول هؤلاء حديث عائشة هذا على أنه تطيب ثم اغتسل بعده ، فذهب الطيب قبل الإحرام ، ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505578طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما ) فظاهره أنه إنما تطيب لمباشرة نسائه ، ثم زال بالغسل بعده ، لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى ، ولا يبقى مع ذلك ، ويكون قولها : ( ثم أصبح ينضخ طيبا ) أي قبل غسله ، وقد سبق في رواية لمسلم أن ذلك الطيب كان ذرة ، وهي مما يذهبه الغسل . قال : وقولها : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505579كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) المراد به أثره لا جرمه . هذا كلام القاضي ، ولا يوافق عليه ؛ بل الصواب ما قاله الجمهور أن الطيب مستحب للإحرام ؛ لقولها : ( طيبته لحرمه ) ، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا للنساء ، ويعضده قولها : ( كأني أنظر إلى وبيص الطيب ) والتأويل الذي قاله القاضي غير مقبول ؛ لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه ، وأما [ ص: 273 ] قولها : ( ولحله قبل أن يطوف ) فالمراد به طواف الإفاضة ، ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمي جمرة العقبة والحلق ، وقبل الطواف ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والعلماء كافة إلا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة ، وهو محجوج بهذا الحديث .
وقولها : ( لحله ) دليل على أنه حصل له تحلل ، وفي الحج تحللان يحصلان بثلاثة أشياء : رمي جمرة العقبة ، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى قبل طواف القدوم ، فإذا فعل الثلاثة ، حصل التحللان ، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول أي اثنين كانا ، ويحل بالتحلل الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع بالنساء ؛ فإنه لا يحل إلا بالثاني ، وقيل : يباح منهن غير الجماع بالتحلل الأول ، وهو قول بعض أصحابنا ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قول : إنه لا يحل بالأول إلا اللبس والحلق وقلم الأظفار ، والصواب ما سبق . والله أعلم .