[ ص: 316 ] وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( عقرى حلقى ) فهكذا يرويه المحدثون بالألف التي هي ألف التأنيث ، ويكتبونه بالياء ولا ينونونه ، وهكذا نقله جماعة لا يحصون من أئمة اللغة ، وغيرهم عن رواية المحدثين . وهو صحيح فصيح . قال الأزهري في تهذيب اللغة : قال أبو عبيد : معنى ( عقرى ) عقرها الله تعالى ، و ( حلقى ) حلقها الله . قال : يعني عقر الله جسدها وأصابها بوجع في حلقها . قال أبو عبيد : أصحاب الحديث يروونه ( عقرى حلقى ) ، وإنما هو ( عقرا حلقا ) . قال : وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادة وقوعه . قال شمر : قلت لأبي عبيد : لم لا تجيز ( عقرى ) ؟ فقال : لأن ( فعلى ) تجيء نعتا ولم تجئ في الدعاء ، فقلت : روى ابن شميل عن العرب ( مطبرى ) ، وعقرى أخف منها ، فلم ينكره . هذا آخر ما ذكره الأزهري . وقال صاحب المحكم : يقال للمرأة عقرى حلقى معناه عقرها الله وحلقها أي حلق شعرها أو أصابها بوجع في حلقها قال : فعقرى ههنا مصدر كدعوى . وقيل : معناه تعقر قومها وتحلقهم بشؤمها .
وقيل : العقرى الحائض . وقيل : عقرى حلقى أي عقرها الله وحلقها . هذا آخر كلام صاحب المحكم . وقيل : معناه جعلها الله عاقرا لا تلد ، وحلقى مشئومة على أهلها . وعلى كل قول فهي كلمة كان أصلها ما ذكرناه ، ثم اتسعت العرب فيها فصارت تطلقها ولا تريد حقيقة ما وضعت له أولا ، ونظيره تربت يداه ، وقاتله الله ما أشجعه وما أشعره . والله أعلم .
وفي هذا الحديث دليل على أن طواف الوداع لا يجب على الحائض ، ولا يلزمها الصبر إلى طهرها لتأتي به ، ولا دم عليها في تركه ، وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عن بعض السلف وهو شاذ مردود .