قوله : ( فتصداني الرجل ) أي تعرض لي هكذا هو في جميع النسخ ( تصداني ) بالنون ، والأشهر في اللغة ( تصدى لي ) .
قوله : ( أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ) فيه دليل لإثبات الوضوء للطواف ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( لتأخذوا عني مناسككم ) وقد أجمعت الأئمة على أنه يشرع الوضوء للطواف ، ولكن اختلفوا في أنه واجب وشرط لصحته أم لا ؟ فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد والجمهور : هو شرط لصحة الطواف ، وقال أبو حنيفة : مستحب ليس بشرط ، واحتج الجمهور بهذا الحديث ، ووجه الدلالة أن هذا الحديث مع حديث " خذوا عني مناسككم " يقتضيان أن الطواف واجب ، لأن كل ما فعله هو داخل في المناسك ، فقد أمرنا بأخذ المناسك . وفي حديث ابن عباس في الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3505701الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام ولكن رفعه ضعيف .
قوله : ( ثم لم يكن غيره ) وكذا قال فيما بعده : ( ولم يكن غيره ) هكذا هو في جميع النسخ ( غيره ) بالغين المعجمة والياء . قال القاضي عياض : كذا هو في جميع النسخ . قال : وهو تصحيف وصوابه : ( ثم لم تكن عمرة ) بضم العين المهملة وبالميم . وكان السائل لعروة إنما سأله عن نسخ الحج إلى العمرة على مذهب من رأى ذلك ، واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك في حجة الوداع ، فأعلمه عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بنفسه ، ولا من جاء بعده . هذا كلام القاضي . قلت : هذا الذي قاله من أن قول ( غيره ) تصحيف ليس كما قال ، بل هو صحيح في الرواية ، وصحيح في المعنى ؛ لأن قوله ( غيره ) يتناول العمرة وغيرها ، ويكون تقدير الكلام ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره أي لم يغير الحج ولم ينقله وينسخه إلى غيره لا عمرة ولا قران والله أعلم .
قوله : ( ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام ) أي مع والده الزبير قوله : ( الزبير ) بدل من أبي .
قوله : ( ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون شيئا حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ) فيه أن المحرم بالحج إذا قدم مكة ينبغي له أن يبدأ بطواف القدوم ، ولا يفعل شيئا قبله ، ولا يصلي تحية المسجد ، بل أول شيء يصنعه الطواف ، وهذا كله متفق عليه عندنا . وقوله : ( يضعون أقدامهم ) يعني يصلون مكة . وقوله : ( ثم لا يحلون ) فيه التصريح بأنه لا يجوز التحلل بمجرد طواف القدوم كما سبق .
قوله : ( وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلوا ) فقولها : ( مسحوا ) المراد بالماسحين من سوى عائشة ، وإلا nindex.php?page=showalam&ids=25فعائشة لم تمسح الركن قبل الوقوف بعرفات في حجة الوداع بل كانت قارنة ، ومنعها الحيض من الطواف قبل يوم النحر ، وهكذا قول أسماء [ ص: 370 ] بعد هذا ( اعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان ، فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا بالحج ) ، المراد به أيضا من سوى عائشة ، وهكذا تأوله القاضي عياض ، والمراد الإخبار عن حجتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع على الصفة التي ذكرت في أول الحديث ، وكان المذكورون سوى عائشة محرمين بالعمرة ، وهي عمرة الفسخ التي فسخوا الحج إليها ، وإنما لم تستثن عائشة لشهرة قصتها . قال القاضي عياض : وقيل : يحتمل أن أسماء أشارت إلى عمرة عائشة التي فعلتها بعد الحج مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم . قال القاضي : وأما قول من قال : يحتمل أنها أرادت في غير حجة الوداع فخطأ ؛ لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع . هذا كلام القاضي . وذكر مسلم بعد هذه الرواية رواية إسحاق بن إبراهيم ، وفيها أن أسماء قالت : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505702خرجنا محرمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليقم على إحرامه ، ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت ، وكان مع الزبير هدي فلم يحل ) . فهذا تصريح بأن الزبير لم يتحلل في حجة الوداع قبل يوم النحر ، فيجب استثناؤه مع عائشة ، أو يكون إحرامه بالعمرة وتحلله منها في غير حجة الوداع . والله أعلم .
وقولها : ( فلما مسحوا الركن حلوا ) هذا متأول عن ظاهره ؛ لأن الركن هو الحجر الأسود ، ومسحه يكون في أول الطواف ، ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بإجماع المسلمين ، وتقديره فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا أو قصروا أحلوا . ولا بد من تقدير هذا المحذوف ، وإنما حذفته للعلم به ، وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل إتمام الطواف . ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا بد أيضا من السعي بعده ، ثم الحلق أو التقصير ، وشذ بعض السلف فقال : السعي ليس بواجب . ولا حجة لهذا القائل في هذا الحديث ؛ لأن ظاهره غير مراد بالإجماع فيتعين تأويله كما ذكرنا ليكون موافقا لباقي الأحاديث . والله أعلم .