وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أسلمت على ما أسلفت من خير ) فاختلف في معناه ، فقال الإمام أبو عبد الله المازري - رحمه الله - : ظاهره خلاف ما تقتضيه الأصول لأن الكافر لا يصح منه التقرب فلا يثاب على طاعته ، ويصح أن يكون مطيعا غير متقرب كنظيره في الإيمان فإنه مطيع فيه من حيث كان موافقا للأمر ، والطاعة عندنا موافقة الأمر ، ولكنه لا يكون متقربا لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا بالمتقرب إليه وهو في حين نظره لم يحصل له العلم بالله تعالى بعد . فإذا تقرر هذا علم أن الحديث متأول وهو يحتمل وجوها أحدها أن يكون معناه اكتسبت طباعا جميلة وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام وتكون تلك العادة تمهيدا لك ومعونة على فعل الخير . والثاني معناه اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق عليك في الإسلام ، والثالث أنه لا يبعد أن يزداد في حسناته التي يفعلها في الإسلام ويكثر أجره لما تقدم له من الأفعال الجميلة . وقد قالوا في الكافر إذا كان يفعل الخير فإنه يخفف عنه به ، فلا يبعد أن يزاد هذا في الأجور . هذا آخر كلام المازري - رحمه الله - : قال القاضي عياض - رحمه الله - : وقيل : معناه ببركة ما سبق لك من خير هداك الله تعالى إلى الإسلام ، وأن من ظهر منه خير في أول أمره فهو دليل على سعادة آخره ، وحسن عاقبته . هذا كلام القاضي وذهب ابن بطال وغيره من المحققين إلى أن الحديث على ظاهره ، وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر ، واستدلوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - . قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=3504383إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها ، ومحا عنه كل سيئة زلفها ، وكان عمله بعد [ ص: 307 ] الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في غريب حديث مالك ، ورواه عنه من تسع طرق ، وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإسلام كل حسنة عملها في الشرك . قال ابن بطال - رحمه الله - تعالى بعد ذكره الحديث : ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما شاء لا اعتراض لأحد عليه قال : وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=137لحكيم بن حزام - رضي الله عنه - : nindex.php?page=hadith&LINKID=754011أسلمت على ما أسلفت من خير . والله أعلم .
وأما قول الفقهاء : ( لا يصح من الكافر عبادة ، ولو أسلم لم يعتد بها ) : فمرادهم أنه لا يعتد له بها في أحكام الدنيا ، وليس فيه تعرض لثواب الآخرة . فإن أقدم قائل على التصريح بأنه إذا أسلم لا يثاب عليها في الآخرة رد قوله بهذه السنة الصحيحة ، وقد يعتد ببعض أفعال الكفار في أحكام الدنيا ; فقد قال الفقهاء : إذا وجب على الكافر كفارة ظهار أو غيرها فكفر في حال كفره أجزأه ذلك ، وإذا أسلم لم تجب عليه إعادتها . واختلف أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - فيما إذا أجنب واغتسل في حال كفره ثم أسلم هل تجب عليه إعادة الغسل أم لا ؟ وبالغ بعض أصحابنا فقال يصح من كل كافر كل طهارة من غسل ووضوء وتيمم ، وإذا أسلم صلى بها . والله أعلم .
وأما ما يتعلق بلفظ الباب فقوله : ( أعتق مائة رقبة وحمل على مائة بعير ) معناه تصدق بها .
فيه صالح عن ابن شهاب عن عروة وهؤلاء ثلاثة تابعيون روى بعضهم عن بعض . وقد قدمنا أمثال ذلك .
وفيه حكيم بن حزام الصحابي - رضي الله عنه - ومن مناقبه أنه ولد في الكعبة . قال بعض العلماء : ولا يعرف أحد شاركه في هذا . قال العلماء : ومن طرف أخباره أنه عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام ، وأسلم عام الفتح ، ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين ، فيكون المراد بالإسلام من حين ظهوره وانتشاره . والله أعلم .