[ ص: 404 ] قوله في حديث أسامة : ( ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات ) هذا دليل على استحباب الركوب في الدفع من عرفات ، وعلى جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة ، وعلى جواز الارتداف مع أهل الفضل ، ولا يكون ذلك خلاف الأدب .
قوله : ( فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا ) فقوله : ( فصببت عليه الوضوء ) . الوضوء هنا بفتح الواو ، وهو الماء الذي يتوضأ به ، وسبق فيه لغة أنه يقال بالضم وليست بشيء .
وقوله : ( فتوضأ وضوءا خفيفا ) يعني توضأ وضوء الصلاة وخففه بأن توضأ مرة مرة ، أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته صلى الله عليه وسلم ، وهذا معنى قوله في الرواية الأخرى : ( فلم يسبغ الوضوء ) أي لم يفعله على العادة . وفيه : دليل على جواز الاستعانة في الوضوء ، قال أصحابنا : الاستعانة فيه ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يستعين في إحضار الماء من البئر والبيت ونحوهما ، وتقديمه إليه ، وهذا جائز ، ولا يقال إنه خلاف الأولى .
والثاني أن يستعين بمن يغسل الأعضاء ، فهذا مكروه كراهة تنزيه ، إلا أن يكون معذورا بمرض أو غيره .
والثالث أن يستعين بمن يصب عليه ، فإن كان لعذر فلا بأس ، وإلا فهو خلاف الأولى ، وهل يسمى مكروها ؟ فيه وجهان لأصحابنا : أصحهما : ليس بمكروهلأنه ؛ لأنه لم يثبت فيه نهي ، وأما استعانة النبي صلى الله عليه وسلم بأسامة nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة في غزوة تبوك nindex.php?page=showalam&ids=10718وبالربيع بنت معوذ فلبيان الجواز ، ويكون أفضل في حقه حينئذ ؛ لأنه مأمور بالبيان . والله أعلم .
قوله ( قلت : الصلاة يا رسول الله فقال : الصلاة أمامك ) معناه : أن أسامة ذكره بصلاة المغرب ، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نسيها حيث أخرها عن العادة المعروفة في غير هذه الليلة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : الصلاة أمامك ، أي إن الصلاة في هذه الليلة مشروعة فيما بين يديك ، أي في المزدلفة . ففيه استحباب تذكير التابع المتبوع بما تركه خلاف العادة ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين له وجه صوابه ، وأن مخالفته للعادة سببها كذا وكذا . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( الصلاة أمامك ) ففيه أن السنة في هذا الموضع في هذه الليلة تأخير المغرب إلى العشاء والجمع بينهما في المزدلفة ، وهو كذلك بإجماع المسلمين ، وليس هو بواجب بل سنة ، فلو صلاهما في طريقه أو صلى كل واحدة في وقتها جاز ، وقال بعض أصحاب مالك : إن صلى المغرب في وقتها لزمه إعادتها ، وهذا شاذ ضعيف .