والثاني يقتضيه . والثالث : يتوقف فيما زاد على مرة على البيان فلا يحكم باقتضائه ولا بمنعه ، وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف ؛ لأنه سأل فقال أكل عام ؟ ولو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأل ولقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا حاجة إلى السؤال ، بل مطلقه محمول على كذا ، وقد يجيب الآخرون عنه بأنه سأل استظهارا واحتياطا . وقوله : ( ذروني ما تركتكم ) ظاهر في أنه لا يقتضي التكرار ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : ويحتمل أنه إنما احتمل التكرار عنده من وجه آخرلأن ؛ لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرر ، فاحتمل عنده التكرار من جهة الاشتقاق لا من مطلق الأمر ، قال : وقد تعلق بما ذكرناه عن أهل اللغة ههنا من قال بإيجاب العمرة ، وقال : لما كان قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت يقتضي تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق ، وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة ؛ لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم لو قلت : نعم لوجبت . ففيه دليل للمذهب الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام ، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي ، وقيل : يشترط ، وهذا القائل يجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحي إليه ذلك . والله أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ذروني ما تركتكم ) دليل على أن الأصل عدم الوجوب ، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع ، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا .
وأجمعت الأمة على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بأصل الشرع ، وقد يجب زيادة بالنذر ، وكذا إذا أراد دخول الحرم لحاجة لا تكرر ، كزيارة وتجارة على مذهب من أوجب الإحرام لذلك بحج أو عمرة ، وقد سبقت المسألة في أول كتاب الحج . والله أعلم .