باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام
1353 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير عن nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال nindex.php?page=hadith&LINKID=659420قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا وقال يوم الفتح فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط إلا من عرفها ولا يختلى خلاها فقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال إلا الإذخر وحدثني nindex.php?page=showalam&ids=16957محمد بن رافع حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17129مفضل عن nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور في هذا الإسناد بمثله ولم يذكر يوم خلق السماوات والأرض وقال بدل القتال القتل وقال لا يلتقط لقطته إلا من عرفها
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولكن جهاد ونية ) فمعناه : ولكن لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة ، وذلك بالجهاد ، ونية الخير في كل شيء .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإذا استنفرتم فانفروا ) معناه : إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا ، وسيأتي بسط أحكام الجهاد وبيان الواجب منه في بابه إن شاء الله تعالى .
وفي الأحاديث الأخرى التي ذكرها مسلم بعد هذا " إن إبراهيم حرم مكة " فظاهرها الاختلاف ، وفي المسألة خلاف مشهور ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في الأحكام السلطانية وغيره من العلماء في وقت تحريم مكة ، فقيل : إنها ما زالت محرمة من يوم خلق الله السماوات والأرض ، وقيل : ما زالت حلالا كغيرها إلى زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ثم ثبت لها التحريم من زمن إبراهيم ، وهذا القول يوافق الحديث الثاني ، والقول الأول يوافق الحديث الأول ، وبه قال الأكثرون .
وأجابوا عن الحديث الثاني بأن تحريمها كان ثابتا من يوم خلق الله السماوات والأرض ، ثم خفي تحريمها واستمر خفاؤه إلى زمن إبراهيم فأظهره وأشاعه ، لا أنه ابتدأه ، ومن قال بالقول الثاني أجاب عن الحديث الأول بأن معناه : أن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق الله تعالى السماوات والأرض : أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى . والله أعلم .
هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم القتال بمكة ، قال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=15151أبو الحسن الماوردي البصري ، صاحب الحاوي من أصحابنا في كتابه الأحكام [ ص: 483 ] السلطانية : من خصائص الحرم أن لا يحارب أهله ، فإن بغوا على أهل العدل فقد قال بعض الفقهاء : يحرم قتالهم ، بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل ، قال : وقال جمهور الفقهاء : يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال ؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا يجوز إضاعتها فحفظها أولى في الحرم من إضاعتها . هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي ، وهذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء هو الصواب ، وقد نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب اختلاف الحديث من كتب الإمام ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا في آخر كتابه المسمى بـ " سير الواقدي " من كتب الأم ، وقال القفال المروزي من أصحابنا في كتابه " شرح التلخيص " في أول كتاب النكاح في ذكر الخصائص : لا يجوز القتال بمكة ، قال : حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها ، وهذا الذي قاله القفال غلط ، نبهت عليه حتى لا يغتر به .
وأما الجواب عن الأحاديث المذكورة هنا فهو ما أجاب به nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتابه " سير الواقدي " أن معناها : تحريم نصب القتال عليهم ، وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك ، بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد آخر ، فإنه يجوز قتالهم على كل وجه وبكل شيء . والله أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يعضد شوكه . ولا يختلى خلاها ) ، وفي رواية : ( لا تعضد بها شجرة ) وفي رواية : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505848لا يختلى شوكها ) ، وفي رواية : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3505849لا يخبط شوكها ) قال أهل اللغة : ( العضد ) القطع ، و ( الخلا ) : - بفتح الخاء المعجمة مقصور - هو الرطب من الكلأ ، وقالوا : الخلا والعشب اسم للرطب منه ، والحشيش والهشيم اسم لليابس منه ، و ( الكلأ ) مهموز يقع على الرطب واليابس ، وعدابن مكي وغيره من لحن العوام إطلاقهم اسم الحشيش على الرطب ، بل هو مختص باليابس ، ومعنى ( يختلى ) : يؤخذ ويقطع ، ومعنى ( يخبط ) : يضرب بالعصا ونحوها ليسقط ورقه ، واتفق العلماء على تحريم قطع أشجارها التي لا يستنبتها الآدميون في العادة ، وعلى تحريم قطع خلاها ، واختلفوا فيما ينبته الآدميون ، واختلفوا في ضمان الشجر إذا قطعه ، فقال مالك : يأثم ولا فدية عليه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : عليه الفدية ، واختلفا فيها ؛ فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : في الشجرة الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وكذا جاء عن ابن عباس وابن الزبير ، وبه قال أحمد ، وقال أبو حنيفة : الواجب في الجميع القيمة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ويضمن الخلا بالقيمة ، ويجوز عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن وافقه رعي البهائم في كلأ الحرم ، وقال أبو حنيفة وأحمد ومحمد : لا يجوز .
[ ص: 484 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يعضد شوكه ) فيه دلالة لمن يقول بتحريم جميع نبات الحرم من الشجر والكلأ ، سواء الشوك المؤذي وغيره ، وهو الذي اختاره المتولي من أصحابنا ، وقال جمهور أصحابنا : لا يحرم الشوك ؛ لأنه مؤذ ، فأشبه الفواسق الخمس ، ويخصون الحديث بالقياس ، والصحيح ما اختاره المتولي . والله أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا ينفر صيده ) تصريح بتحريم التنفير ، وهو الإزعاج وتنحيته من موضعه ، فإن نفره عصى ، سواء تلف أم لا ، لكن إن تلف في نفاره قبل سكون نفاره ضمنه المنفر ، وإلا فلا ضمان ، قال العلماء : ونبه صلى الله عليه وسلم بالتنفير على الإتلاف ونحوهلأنه ؛ لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى .
ومعنى الحديث لا تحل لقطتها لمن يريد أن يعرفها سنة ثم يتملكها كما في باقي البلاد ، بل لا تحل إلا لمن يعرفها أبدا . ولا يتملكها ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16349وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم ، وقال مالك : يجوز تملكها بعد تعرفها سنة ، كما في سائر البلاد ، وبه قال بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ويتأولون الحديث تأويلات ضعيفة ، و ( اللقطة ) بفتح القاف على اللغة المشهورة ، وقيل : بإسكانها وهي الملقوط .
قوله : ( إلا الإذخر ) هو نبت معروف طيب الرائحة ، وهو بكسر الهمزة والخاء .
قوله : ( فإنه لقينهم وبيوتهم ) ، وفي رواية : nindex.php?page=hadith&LINKID=3505854نجعله في قبورنا وبيوتنا . ( قينهم ) بفتح القاف ، هو الحداد والصائغ ، ومعناه : يحتاج إليه القين في وقود النار ، ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات ، ويحتاج إليه في سقوف البيوت يجعل فوق الخشب .
[ ص: 485 ] قوله : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر ) هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه في الحال باستثناء الإذخر وتخصيصه من العموم ، أو أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء فاستثنه ، أو أنه اجتهد في الجميع . والله أعلم .