قوله : ( فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر ) دليل لجواز ذلك ، وأنه لا يسقط المروءة ، ولا يخل بمراتب أهل الفضل لا سيما عند الحاجة للقتال أو رياضة الدابة أو تدريب النفس ومعاناة أسباب الشجاعة .
قوله : ( وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ) هذا مما يستدل به أصحاب مالك وغيرهم ممن يقول : الفخذ ليس بعورة ، ومذهبنا أنه عورة ، ويحمل أصحابنا هذا الحديث على أن انحسار الإزار وغيره كان بغير اختياره صلى الله عليه وسلم ، فانحسر للزحمة وإجراء المركوب ، ووقع نظر أنس إليه فجأة لا تعمدا ، وكذلك مست ركبته الفخذ من غير اختيارهما بل للزحمة ، ولم يقل إنه تعمد ذلك ، ولا أنه حسر الإزار بل قال : انحسر بنفسه .
[ ص: 560 ] قوله : ( فلما دخل القرية قال : الله أكبر خربت خيبر ) فيه دليل لاستحباب الذكر والتكبير عند الحرب ، وهو موافق لقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ولهذا قالها ثلاث مرات ، ويؤخذ منه أن الثلاث كثير ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( خربت خيبر ) فذكروا فيه وجهين : أحدهما أنه دعاء تقديره أسأل الله خرابها ، والثاني أنه إخبار بخرابها على الكفار وفتحها للمسلمين .
قوله : ( محمد والخميس ) هو بالخاء المعجمة وبرفع السين المهملة ، وهو الجيش . قال الأزهري وغيره ، سمي خميسالأنه ؛ لأنه خمسة أقسام : مقدمة وساقة وميمنة وميسرة وقلب ، وقيل لتخميس الغنائم ، وأبطلوا هذا القوللأن ؛ لأن هذا الاسم كان معروفا في الجاهلية ، ولم يكن لهم تخميس .
قوله : ( وأصبناها عنوة ) هو بفتح العين أي قهرا لا صلحا ، وبعض حصون خيبر أصيب صلحا ، وسنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى .
قوله : ( فجاءه دحية إلى قوله : فأخذ nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي ) أما ( دحية ) فبفتح الدال وكسرها وأما ( صفية ) فالصحيح أن هذا كان اسمها قبل السبي ، وقيل : كان اسمها ( زينب ) فسميت بعد السبي والاصطفاء ( صفية ) .
قوله : ( أعطيت دحية nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ، ما تصلح إلا لك قال : ادعوه بها قال : فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذ جارية من السبي غيرها ) قال المازري وغيره يحتمل ما جرى مع دحية وجهين : أحدهما أن يكون رد الجارية برضاه وأذن له في غيرها ، والثاني أنه إنما أذن له في جارية له من حشو السبي لا أفضلهن . فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسبا وشرفا في قومها وجمالا استرجعهالأنه ؛ لأنه لم يأذن فيها ، ورأى في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها على باقي الجيش ، ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم ، ولما يخاف من استعلائها على دحية بسبب مرتبتها ، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره فكان أخذه صلى الله عليه وسلم إياها لنفسه قاطعا لكل هذه المفاسد المتخوفة ، ومع هذا فعوض دحية عنها . وقوله في الرواية الأخرى : nindex.php?page=hadith&LINKID=3505964إنها وقعت في سهم دحية فاشتراها [ ص: 561 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس يحتمل أن المراد بقوله : ( وقعت في سهمه ) أي حصلت بالإذن في أخذ جارية ليوافق باقي الروايات . وقوله : ( اشتراها ) أي أعطاه بدلها سبعة أنفس تطييبا لقلبه ، لا أنه جرى عقد بيع ، وعلى هذا تتفق الروايات . وهذا الإعطاء لدحية محمول على التنفيل ، فعلى قول من يقول : التنفيل يكون من أصل الغنيمة لا إشكال فيه ، وعلى قول من يقول : إن التنفيل من خمس الخمس يكون هذا التنفيل من خمس الخمس بعد أن ميز أو قبله ويحسب منه . فهذا الذي ذكرناه هو الصحيح المختار ، وحكى القاضي معنى بعضه ، ثم قال : والأولى عندي أن تكون صفية فيئا لأنها كانت زوجة كنانة بن الربيع ، وهو وأهله من بني أبي الحقيق كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط عليهم أن لا يكتموه كنزا ، فإن كتموه فلا ذمة لهم . وسألهم عن كنز حيي بن أخطب فكتموه ، وقالوا : أذهبته النفقات ، ثم عثر عليه عندهم ، فانتقض عهدهم فسباهم . ذكر ذلك أبو عبيد وغيره . nindex.php?page=showalam&ids=199فصفية من سبيهم فهي فيء لا يخمس ، بل يفعل فيه الإمام ما رأى . هذا كلام القاضي ، وهذا تفريع منه على مذهبه أنالفيء لا يخمس ، ومذهبنا أنه يخمس كالغنيمة والله أعلم .
قوله : ( فقال له ثابت : يا أبا حمزة ما أصدقها ؟ قال : نفسها أعتقها وتزوجها ) فيه أنه يستحب أن يعتق الأمة ويتزوجها كما قال في الحديث الذي بعده ( له أجران ) . وقوله : ( أصدقها نفسها ) اختلف في معناه فالصحيح الذي اختاره المحققون أنه أعتقها تبرعا بلا عوض ولا شرط ، ثم تزوجها برضاها بلا صداق ، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز نكاحه بلا مهر لا في الحال ، ولا فيما بعد بخلاف غيره . وقال بعض أصحابنا : معناه أنه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به . وقال بعض أصحابنا : أعتقها وتزوجها على قيمتها ، وكانت مجهولة ولا يجوز هذا ولا الذي قبله لغيره صلى الله عليه وسلم بل هما من الخصائص كما قال أصحاب القول الأول . واختلف العلماء فيمن أعتق أمته على أن تتزوج به ، ويكون عتقها صداقها فقال الجمهور : لا يلزمها أن تتزوج به ، ولا يصح هذا الشرط . وممن قاله مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت عتقت ، ولا يلزمها أن تتزوجه ، بل له عليها قيمتهالأنه ؛ لأنه لم يرض بعتقها مجانا ، فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه فله عليها القيمة ، ولها عليه المهر المسمى من قليل أو كثير ، وإن تزوجها على قيمتها فإن كانت القيمة معلومة له ولها صح الصداق ولا تبقى له عليها قيمة ولا لها عليه صداق ، وإن كانت مجهولة ففيه وجهان لأصحابنا ، أحدهما يصح الصداق كما لو كانت معلومةلأن ؛ لأن هذا العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف . وأصحهما وبه قال جمهور أصحابنا لا يصح الصداق بل يصح النكاح ، ويجب لها مهر [ ص: 562 ] المثل . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب والحسن والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأبو يوسف وأحمد وإسحاق : يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به ، ويكون عتقها صداقها ، ويلزمها ذلك ، ويصح الصداق على ظاهر لفظ هذا الحديث ، وتأوله الآخرون بما سبق .
قوله ( حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا ) وفي الرواية التي بعد هذه : ( ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها قال : وأحسبه قال : وتعتد في بيتها ) .
أما قوله : ( تعتد ) فمعناه تستبرئ فإن كانت مسبية يجب استبراؤها وجعلها في مدة الاستبراء في بيت أم سليم ، فلما انقضى الاستبراء جهزتها أم سليم وهيأتها أي زينتها وجملتها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من وشم ووصل وغير ذلك من المنهي عنه . وقوله : ( أهدتها ) أي زفتها يقال : أهديت العروس إلى زوجها أي زففتها . والعروس يطلق على الزوج والزوجة جميعا . وفي الكلام تقديم وتأخير ومعناه اعتدت أي استبرأت ، ثم هيأتها ، ثم أهدتها . والواو لا تقتضي ترتيبها . وفيه : الزفاف بالليل ، وقد سبق في حديث تزوجه صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنه الزفاف نهارا ، وذكرنا هناك جواز الأمرين . والله أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان عنده شيء فليجئني به ) وفي بعض النسخ ( فليجئ به ) بغير نون فيه دليل لوليمة [ ص: 563 ] العرس ، وأنها بعد الدخول ، وقد سبق أنها تجوز قبله وبعده ، وفيه إدلال الكبير على أصحابه وطلب طعامهم في نحو هذا .