فيه حديث عائشة في قصة بريرة وأنها كانت مكاتبة فاشترتها عائشة وأعتقتها وأنهم شرطوا ولاءها ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506063إنما الولاء لمن أعتق وهو حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد ، وفيه مواضع تشعبت فيها المذاهب :
أحدها أنها كانت مكاتبة وباعها الموالي واشترتها عائشة وأقر النبي صلى الله عليه وسلم بيعها ، فاحتج به طائفة من العلماء في أنه يجوز بيع المكاتب ، وممن [ ص: 109 ] جوزه عطاء والنخعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في رواية عنه . وقال ابن مسعود وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وبعض المالكية nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في رواية عنه : لا يجوز بيعه . وقال بعض العلماء : يجوز بيعه للعتق لا للاستخدام . وأجاب من أبطل بيعه عن حديث بريرة بأنها عجزت نفسها وفسخوا الكتابة والله أعلم .
الموضع الثاني قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506064اشتريها واعتقيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق وهذا مشكل من حيث إنها اشترتها وشرطت لهم الولاء وهذا الشرط يفسد البيع ، ومن حيث إنها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصح ولا يحصل لهم ، وكيف أذن nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة في هذا ؟ ولهذا الإشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا منقول عن nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم واستدل بسقوط اللفظة في كثير من الروايات ، وقال جماهير العلماء : هذه اللفظة صحيحة ، واختلفوا في تأويلها فقال بعضهم : قوله ( اشترطي لهم ) أي عليهم ، كما قال تعالى : لهم اللعنة بمعنى عليهم وقال تعالى : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ، أي فعليها وهذا منقول عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والمزني ، وقاله غيرهما أيضا وهو ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم الاشتراط ، ولو كان كما قاله صاحب هذا التأويل لم ينكره وقد يجاب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أنكر ما أرادوا اشتراطه في أول الأمر ، وقيل : معنى ( اشترطي لهم الولاء ) أظهري لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل فلما ألحوا في اشتراطه ومخالفة الأمر قال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة هذا بمعنى لا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط باطل مردود لأنه قد سبق بيان ذلك لهم ، فعلى هذا لا تكون لفظة ( اشترطي ) هنا للإباحة ، والأصح في تأويل الحديث ما قال أصحابنا في كتب الفقه : إن هذا الشرط خاص في قصة عائشة ، واحتمل هذا الإذن وإبطاله في هذه القصة وهي قضية عين لا عموم لها ، قالوا : والحكمة في إذنه ثم إبطاله ، أن يكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك وزجر مثله ، كما أذن لهم صلى الله عليه وسلم في الإحرام بالحج في حجة الوداع ثم أمرهم بفسخه ، وجعله عمرة بعد أن أحرموا بالحج ، وإنما فعل ذلك ليكون أبلغ في زجرهم وقطعهم عما اعتادوه من منع العمرة في أشهر الحج ، وقد تحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة والله أعلم .
الموضع الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة في فسخ نكاحها ، وأجمعت الأمة على أنها إذا عتقت كلها تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح ، فإن كان حرا فلا خيار لها عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والجمهور ، وقال أبو حنيفة : لها الخيار ، واحتج برواية من روى أنه كان زوجها حرا ، وقد ذكرها مسلم من رواية شعبة بن عبد الرحمن بن القاسم لكن قال شعبة : ثم سألته عن زوجها فقال : لا أدري ، واحتج الجمهور بأنها قضية واحدة ، والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن زوجها كان عبدا ، قال الحفاظ : ورواية من روى أنه كان حرا غلط وشاذة مردودة لمخالفتها المعروف في روايات الثقات . ويؤيده أيضا قول عائشة قالت : ( كان عبدا ولو كان حرا لم يخيرها ) رواه مسلم .
وفي هذا الكلام دليلان : أحدهما إخبارها أنه كان عبدا وهي صاحبة القضية ، والثاني قولها ( لو كان حرا لم يخيرها ) . ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفا ولأن الأصل في النكاح اللزوم ولا طريق إلى فسخه إلا بالشرع ، وإنما ثبت في العبد فبقي الحر على الأصل ولأنه لا ضرر ولا عار عليها وهي حرة في المقام تحت حر ، وإنما يكون ذلك إذا قامت تحت عبد فأثبت لها الشرع الخيار في العبد لإزالة الضرر بخلاف الحر . قالوا : ولأن رواية هذا الحديث تدور على عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، فأما ابن عباس فاتفقت الروايات عنه أن زوجها كان عبدا ; وأما عائشة فمعظم الروايات عنها أيضا أنه كان عبدا فوجب ترجيحها والله أعلم .
أحدها شرط يقتضيه إطلاق العقد بأن شرط تسليمه إلى المشتري أو تبقية الثمرة على الشجر إلى أوان الجداد أو الرد بالعيب .
الثاني شرط فيه مصلحة وتدعو إليه الحاجة كاشتراط الرهن والضمين والخيار وتأجيل الثمن ونحو ذلك وهذان القسمان جائزان ولا يؤثران في صحة العقد بلا خلاف .
الثالث اشتراط العتق في العبد المبيع أو الأمة وهذا جائز أيضا عند الجمهور لحديث عائشة وترغيبا في العتق لقوته وسرايته .
الرابع ما سوى ذلك من الشروط كشرط استثناء منفعة وشرط أن يبيعه شيئا آخر أو يكريه داره أو نحو ذلك فهذا شرط باطل مبطل للعقد . هكذا قال الجمهور ، وقال أحمد : لا يبطله شرط واحد وإنما يبطله شرطان والله أعلم .
واعلم أن في حديث بريرة هذا فوائد وقواعد كثيرة ـ وقد صنف فيه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير تصنيفين كبيرين ـ إحداها : ثبوت الولاء للمعتق .
الثامنة : أن المكاتب لا يصير حرا بنفس الكتابة بل هو عبد ما بقي عليه درهم كما صرح به في الحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وجماهير العلماء ، وحكى القاضي عن بعض السلف أنه يصير حرا بنفس الكتابة ويثبت المال في ذمته ولا يرجع إلى الرق أبدا ، وعن بعضهم أنه إذا أدى نصف المال صار حرا ويصير الباقي دينا عليه ، قال : وحكي عن عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وشريح مثل هذا إذا أدى الثلث ، وعن عطاء مثله إذا أدى ثلاثة أرباع المال .
التاسعة : أن الكتابة تكون على نجوم لقوله في بعض روايات مسلم هذه : إن بريرة قالت إن أهلها كاتبوها على تسع أواق في تسع سنين ، كل سنة أوقية . ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنها لا تجوز على نجم واحد بل لا بد من نجمين فصاعدا ، وقال مالك والجمهور : تجوز على نجوم وتجوز على نجم واحد .
الرابعة عشرة : تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها : ( وأنت لا تأكل الصدقة ) . ومذهبنا أنه كان تحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف وكذا صدقة التطوع على الأصح .
الخامسة عشرة : أن الصدقة لا تحرم على قريش غير بني هاشم وبني المطلب ; لأن عائشة قرشية وقبلت ذلك اللحم من بريرة على أن له حكم الصدقة وأنها حلال لها دون النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد .
السادسة عشرة : جواز سؤال الرجل عما يراه في بيته ، وليس هذا مخالفا لما في حديث أم زرع في قولها : " ولا يسأل عما عهد " لأن معناه لا يسأل عن شيء عهده وفات ، فلا يسأل : أين ذهب ؟ وأما هنا [ ص: 112 ] فكانت البرمة واللحم فيها موجودين حاضرين . فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عما فيها ليبين لهم حكمه لأنه يعلم أنهم لا يتركون إحضاره له شحا عليه به ، بل لتوهمهم تحريمه عليه ، فأراد بيان ذلك لهم .
العشرون : أن بيع الأمة المزوجة ليس بطلاق ولا ينفسخ به النكاح وبه قال جماهير العلماء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : هو طلاق . وعن ابن عباس أنه ينفسخ النكاح ، وحديث بريرة يرد المذهبين لأنها خيرت في بقائها معه .
التاسعة والعشرون : أنه يستحب في الخطبة أن يقول بعد حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما بعد . وقد تكرر هذا في خطب النبي صلى الله عليه وسلم وسبق بيانه في مواضع .