أما المصراة واشتقاقها فسبق بيانهما في الباب المذكور .
وأما اللقحة فبكسر اللام وبفتحها وهي الناقة القريبة العهد بالولادة نحو شهرين أو ثلاثة والكسر أفصح ، والجماعة ( لقح ) كقربة وقرب .
و ( السمراء ) بالسين المهملة هي الحنطة .
وقد سبق أن التصرية حرام وأن في هذه الأحاديث مع تحريمها يصح البيع ، وأنه يثبت الخيار في سائر البيوع المشتملة على تدليس بأن سود شعر الجارية الشائبة أو جعد شعر السبطة ونحو ذلك .
واختلف أصحابنا في خيار مشتري المصراة هل هو على الفور بعد العلم أو يمتد ثلاثة أيام ؟ فقيل : يمتد ثلاثة أيام لظاهر هذه الأحاديث ، والأصح عندهم أنه على الفور ، ويحملون التقييد بثلاثة أيام في بعض الأحاديث على ما إذا لم يعلم أنها مصراة إلا في ثلاثة أيام لأن الغالب أنه لا يعلم فيما دون ذلك ، فإنه إذا نقص لبنها في اليوم الثاني عن الأول احتمل [ ص: 129 ] كون النقص لعارض من سوء مرعاها في ذلك اليوم أو غير ذلك ، فإذا استمر كذلك ثلاثة أيام علم أنها مصراة . ثم إذا اختار رد المصراة بعد أن حلبها ردها وصاعا من تمر سواء كان اللبن قليلا أو كثيرا ، سواء كانت ناقة أو شاة أو بقرة ، هذا مذهبنا ، وبه قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وفقهاء المحدثين وهو الصحيح الموافق للسنة . وقال بعض أصحابنا : يرد صاعا من قوت البلد ولا يختص بالتمر . وقال أبو حنيفة وطائفة من أهل العراق وبعض المالكية nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في رواية غريبة عنه : يردها ولا يرد صاعا من تمر لأن الأصل أنه إذا أتلف شيئا لغيره رد مثله إن كان مثليا ، وإلا فقيمته . وأما جنس آخر من العروض فخلاف الأصول ، وأجاب الجمهور عن هذا بأن السنة إذا وردت لا يعترض عليها بالمعقول . وأما الحكمة في تقييده بصاع التمر فلأنه كان غالب قوتهم في ذلك الوقت فاستمر حكم الشرع على ذلك وإنما لم يجب مثله ولا قيمته بل وجب صاع في القليل والكثير ليكون ذلك حدا يرجع إليه ويزول به التخاصم . وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على رفع الخصام والمنع من كل ما هو سبب له .
وقد يقع بيع المصراة في البوادي والقرى وفي مواضع لا يوجد من يعرف القيمة ويعتمد قوله فيها وقد يتلف اللبن ويتنازعون في قلته وكثرته وفي عينه ، فجعل الشرع لهم ضابطا لا نزاع معه وهو صاع تمر ، ونظير هذا الدية فإنها مائة بعير ولا يختلف باختلاف حال القتيل قطعا للنزاع ، ومثله الغرة في الجناية على الجنين سواء كان ذكرا أو أنثى تام الخلق أو ناقصه جميلا كان أو قبيحا ، ومثله الجبران في الزكاة بين الشيئين جعله الشرع شاتين أو عشرين درهما قطعا [ ص: 130 ] للنزاع سواء كان التفاوت بينهما قليلا أو كثيرا . وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وآخرون نحو هذا المعنى ، والله أعلم .
فإن قيل : كيف يلزم المشتري رد عوض اللبن مع أن الخراج بالضمان وأن من اشترى شيئا معيبا ثم علم العيب فرد به لا يلزمه رد الغلة والأكساب الحاصلة في يده ؟ فالجواب : أن اللبن ليس من الغلة الحاصلة في يد المشتري بل كان موجودا عند البائع وفي حالة العقد ووقع العقد عليه وعلى الشاة جميعا ، فهما مبيعان بثمن واحد وتعذر رد اللبن لاختلاطه بما حدث في مال المشتري فوجب رد عوضه ، والله أعلم .