في هذه الأحاديث جواز المساقاة ، وبه قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد ، وجميع فقهاء المحدثين ، وأهل الظاهر ، وجماهير العلماء . وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، وتأول هذه الأحاديث على أن خيبر فتحت عنوة ، وكان أهلها عبيدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أخذه فهو له ، وما تركه فهو له .
واختلفوا فيما تجوز عليه المساقاة من الأشجار ، فقال داود : يجوز على النخل خاصة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : على النخل والعنب خاصة ، وقال مالك : تجوز على جميع الأشجار ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي . فأما داود فرآها رخصة فلم يتعد فيه المنصوص عليه . وأما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فوافق داود في كونها رخصة ، لكن قال : حكم العنب حكم النخل في معظم الأبواب . وأما مالك فقال : سبب الجواز الحاجة والمصلحة . وهذا يشمل الجميع فيقاس عليه ، والله أعلم .
قوله : ( بشطر ما يخرج منها ) في بيان الجزء المساقى عليه من نصف أو ربع أو غيرهما من الأجزاء المعلومة ، فلا يجوز على مجهول كقوله : على أن ذلك بعض الثمر . واتفق المجوزون للمساقاة على جوازها بما اتفق المتعاقدان عليه من قليل أو كثير .
قوله : ( من ثمر أو زرع ) يحتج به nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وموافقوه وهم الأكثرون في جواز المزارعة تبعا للمساقاة ، وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة ، فتجوز تبعا للمساقاة ، فيساقيه على النخل ، ويزارعه على الأرض كما جرى في خيبر . وقال مالك : لا تجوز المزارعة لا منفردة ولا تبعا إلا ما كان من الأرض بين الشجر . وقال أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر : المزارعة والمساقاة فاسدتان سواء جمعهما أو فرقهما . ولو عقدتا فسختا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وسائر الكوفيين ، وفقهاء المحدثين ، وأحمد ، وابن خزيمة ، وابن شريح وآخرون : تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعتين ، وتجوز كل واحدة منهما منفردة . وهذا هو الظاهر المختار لحديث خيبر . ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جازت تبعا للمساقاة ، بل جازت مستقلة ، ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة قياسا على القراض ، فإنه جائز بالإجماع ، وهو كالمزارعة في كل شيء ، ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة .
وأما الأحاديث السابقة في النهي عن المخابرة فسبق الجواب عنها ، وأنها محمولة على ما إذا شرطا لكل واحد قطعة معينة من الأرض . وقد صنف nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة كتابا في جواز المزارعة ، واستقصى فيه وأجاد ، وأجاب عن الأحاديث بالنهي . والله أعلم .
[ ص: 163 ] قوله صلى الله عليه وسلم ( أقركم فيها على ذلك ما شئنا ) وفي رواية الموطأ ( أقركم ما أقركم الله ) قال العلماء : وهو عائد إلى مدة العهد ، والمراد إنما نمكنكم من المقام في خيبر ما شئنا ، ثم نخرجكم إذا شئنا ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان عازما على إخراج الكفار من جزيرة العرب كما أمر به في آخر عمره ، وكما دل عليه هذا الحديث وغيره .
واحتج أهل الظاهر بهذا على جواز المساقاة مدة مجهولة . وقال الجمهور : لا تجوز المساقاة إلا إلى مدة معلومة كالإجارة ، وتأولوا الحديث على ما ذكرناه . جاز ذلك في أول الإسلام خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : معناه أن لنا إخراجكم بعد انقضاء المدة المسماة ، وكانت سميت مدة ، ويكون المراد بيان أن المساقاة ليست بعقد دائم كالبيع والنكاح ، بل بعد انقضاء المدة تنقضي المساقاة . فإن شئنا عقدنا عقدا آخر ، وإن شئنا أخرجناكم . وقال أبو ثور : إذا أطلقا المساقاة اقتضى ذلك سنة واحدة ، والله أعلم .