[ ص: 301 ] ذكر مسلم حديث حويصة ومحيصة باختلاف ألفاظه وطرقه حين nindex.php?page=hadith&LINKID=3506348وجد محيصة ابن عمه عبد الله بن سهل قتيلا بخيبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأوليائه : تحلفون خمسين يمينا ، وتستحقون صاحبكم أو قاتلكم ، وفي رواية : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506349تستحقون قاتلكم أو صاحبكم ) . أما ( حويصة ومحيصة ) فبتشديد الياء فيهما وبتخفيفها لغتان مشهورتان ، وقد ذكرهما القاضي ، أشهرهما : التشديد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : حديث القسامة أصل من أصول الشرع ، وقاعدة من قواعد الأحكام ، وركن من أركان مصالح العباد ، وبه أخذ العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار الحجازيين والشاميين والكوفيين وغيرهم - رحمهم الله تعالى - وإن اختلفوا في كيفية الأخذ به ، وروي عن جماعة إبطال القسامة ، وأنه لا حكم لها ، ولا عمل بها ، وممن قال بهذا nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=14152والحكم بن عتيبة وقتادة وأبو قلابة nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وغيرهم ، وعن عمر بن عبد العزيز روايتان كالمذهبين ، واختلف القائلون بها فيما إذا كان القتل عمدا هل يجب القصاص بها ؟ فقال معظم الحجازيين : يجب ، وهو قول الزهري وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبي الزناد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وداود ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم . وروي عن ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، قال أبو الزناد : قلنا بها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون ، إني لأرى أنهم ألف رجل ، فما اختلف منهم اثنان ، وقال الكوفيون nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - رضي الله عنه - في أصح قوليه : لا يجب بها القصاص ، وإنما تجب الدية ، [ ص: 302 ] وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي والنخعي وعثمان الليثي nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح ، وروي أيضا عن أبي بكر وعمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ومعاوية ، رضي الله عنهم .
واختلفوا فيمن يحلف في القسامة ; فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والجمهور : يحلف الورثة ، ويجب الحق بحلفهم خمسين يمينا ، واحتجوا بهذا الحديث الصحيح ، وفيه التصريح بالابتداء بيمين المدعي ، وهو ثابت من طرق كثيرة صحاح لا تندفع . قال مالك : الذي أجمعت عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدءون في القسامة ، ولأن جنبة المدعي صارت قوية باللوث قال القاضي : وضعف هؤلاء رواية من روى الابتداء بيمين المدعى عليهم ، قال أهل الحديث : هذه الرواية وهم من الراوين ; لأنه أسقط الابتداء بيمين المدعي ولم يذكر رد اليمين ، ولأن من روى الابتداء بالمدعين معه زيادة ، ورواياتها صحاح من طرق كثيرة مشهورة ، فوجب العمل بها ولا تعارضها رواية من نسي وقال : كل من لم يوجب القصاص واقتصر على الدية يبدأ بيمين المدعى عليهم إلا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور أنه يبدأ بيمين المدعي ، فإن نكل ردت على المدعى عليه .
الأولى : أن يقول المقتول في حياته : دمي عند فلان ، وهو قتلني أو ضربني وإن لم يكن به أثر ، أو فعل بي هذا من إنفاذ مقاتلي أو جرحني . ويذكر العمد فهذا موجب للقسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ، وادعى مالك - رضي الله عنه - أنه مما أجمع عليه الأئمة قديما وحديثا ، قال القاضي : ولم يقل بهذا من فقهاء الأمصار غيرهما ، ولا روي عن غيرهما ، وخالفا في ذلك العلماء كافة فلم ير أحد غيرهما في هذا قسامة ، واشترط بعض المالكية وجود الأثر والجرح في كونه قسامة ، واحتج مالك في ذلك بقضية بني إسرائيل وقوله تعالى : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى قالوا : فحيي الرجل فأخبر بقاتله ، واحتج أصحاب مالك أيضا بأن تلك حالة يطلب بها غفلة الناس ، فلو شرطنا الشهادة وأبطلنا قول المجروح أدى ذلك إلى إبطال الدماء غالبا ، قالوا : ولأنها حالة يتحرى فيها المجروح الصدق ويتجنب الكذب والمعاصي ، ويتزود البر والتقوى ، فوجب قبول قوله ، واختلف المالكية في أنه هل يكتفى في الشهادة على قوله بشاهد أم لا بد من اثنين .
الثانية : اللوث من غير بينة على معاينة القتل ، وبهذا قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ومن اللوث شهادة العدل وحده ، وكذا قول جماعة ليسوا عدولا .
والثالثة : إذا شهد عدلان بالجرح فعاش بعده أياما ثم مات قبل أن يفيق منه ، قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث : هو لوث ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رضي الله عنه : لا قسامة هنا بل يجب القصاص بشهادة العدلين .
الخامسة : أن يقتتل طائفتان فيوجد بينهما قتيل ; ففيه القسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وإسحاق ، وعن مالك رواية : لا قسامة ; بل فيه دية على الطائفة الأخرى إن كان من أحد الطائفتين ، وإن كان من غيرهما فعلى الطائفتين ديته .
السادسة : يوجد الميت في زحمة الناس ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : تثبت فيه القسامة ، وتجب بها الدية ، وقال مالك : هو هدر ، وقال الثوري وإسحاق : تجب ديته في بيت المال ، وروي مثله عن عمر وعلي .
والسابعة : أن يوجد في محلة قوم أو قبيلتهم أو مسجدهم ، فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وداود وغيرهم : لا يثبت بمجرد هذا قسامة ، بل القتل هدر ; لأنه قد يقتل الرجل الرجل ويلقيه في محلة طائفة لينسب إليهم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إلا أن يكون في محلة أعدائه لا يخالطهم غيرهم ، فيكون كالقصة التي جرت بخيبر ، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة لورثة القتيل ، لما كان بين الأنصار وبين اليهود من العداوة ، ولم يكن هناك سواهم ، وعن أحمد نحو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ومعظم الكوفيين : وجود القتيل في المحلة والقرية يوجب القسامة ، ولا تثبت القسامة عندهم في شيء من الصور السبع السابقة إلا هنا لأنها عندهم هي الصورة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالقسامة ، ولا قسامة عندهم إلا إذا وجد القتيل وبه أثر ، قالوا : فإن وجد القتيل في المسجد حلف أهل المحلة ، ووجبت الدية في بيت المال ، وذلك إذا ادعوا على أهل المحلة ، وقال الأوزاعي : وجود القتيل في المحلة يوجب القسامة وإن لم يكن عليه أثر ، ونحوه عن داود ، هذا آخر كلام القاضي ، والله أعلم .
قوله : ( فذهب عبد الرحمن يتكلم قبل صاحبه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كبر الكبر في السن . فصمت وتكلم صاحباه وتكلم معهما ) معنى هذا : أن المقتول هو عبد الله وله أخ اسمه عبد الرحمن ولهما ابنا عم ، وهما محيصة وحويصة ، وهما أكبر سنا من عبد الرحمن ، فلما أراد عبد الرحمن أخو القتيل أن يتكلم ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " كبر " أي يتكلم أكبر منك .
واعلم أن حقيقة الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن لا حق فيها لابني عمه ، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم الأكبر ، وهو حويصة ، لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى ; بل سماع صورة القصة ، وكيف جرت ، فإذا أراد حقيقة الدعوى تكلم صاحبها ، ويحتمل أن عبد الرحمن وكل حويصة في الدعوى ومساعدته ، أو أمر بتوكيله ، وفي هذا فضيلة السن عند التساوي في الفضائل ، ولهذا نظائر فإنه يقدم بها في الإمامة وفي ولاية النكاح ندبا وغير ذلك . وقوله ( الكبر في السن ) معناه يريد الكبر في السن ، والكبر منصوب بإضمار " يريد " ونحوها . وفي بعض النسخ ( للكبر ) باللام ، وهو صحيح .
واحتمل ذلك لكونه معلوما للمخاطبين كما سمع كلام الجميع في صورة قتله ، وكيفية ما جرى له ، وإن كانت حقيقة الدعوى وقت الحاجة مختصة بالوارث . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتستحقون قاتلكم أو صاحبكم ) فمعناه : يثبت حقكم على من حلفتم عليه ، وهل ذلك الحق قصاص أو دية ؟ فيه الخلاف السابق بين العلماء .
واعلم أنهم إنما يجوز لهم الحلف إذا علموا أو ظنوا ذلك ، وإنما عرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم اليمين إن وجد فيهم هذا الشرط ، وليس المراد الإذن لهم في الحلف من غير ظن ، ولهذا قالوا : كيف نحلف ولم نشهد ؟ .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتبرئكم يهود بخمسين يمينا ) أي تبرأ إليكم من دعواكم بخمسين يمينا ، وقيل : معناه يخلصونكم من اليمين بأن يحلفوا ، فإذا حلفوا انتهت الخصومة ، ولم يثبت عليهم شيء ، وخلصتم أنتم من اليمين . وفي هذا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ، و ( يهود ) مرفوع غير منون لا ينصرف ; لأنه اسم القبيلة والطائفة ، ففيه التأنيث والعلمية .
قوله : ( فوداه من عنده ) يحتمل أن يكون من [ ص: 305 ] خالص ماله في بعض الأحوال صادف ذلك عنده ، ويحتمل أنه من مال بيت المال ومصالح المسلمين .
وأما قوله في الرواية الأخيرة : ( من إبل الصدقة ) فقد قال بعض العلماء : إنها غلط من الرواة ; لأن الصدقة المفروضة لا تصرف هذا المصرف ، بل هي لأصناف سماهم الله تعالى ، وقال الإمام أبو إسحاق المروزي من أصحابنا : يجوز صرفها من إبل الزكاة لهذا الحديث ، فأخذ بظاهره . وقال جمهور أصحابنا وغيرهم : معناه اشتراه من أهل الصدقات بعد أن ملكوها ثم دفعها تبرعا إلى أهل القتيل ، وحكى القاضي عن بعض العلماء أنه يجوز صرف الزكاة في مصالح العامة ، وتأول هذا الحديث عليه ، وتأوله بعضهم على أن أولياء القتيل كانوا محتاجين وممن تباح لهم الزكاة ، وهذا تأويل باطل ; لأن هذا قدر كثير لا يدفع إلى الواحد الخامل من الزكاة بخلاف أشراف القبائل ، ولأنه سماه دية ، وتأوله بعضهم على أنه دفعه من سهم المؤلفة من الزكاة استئلافا لليهود ، لعلهم يسلمون ، وهذا ضعيف ; لأن الزكاة لا يجوز صرفها إلى كافر ، فالمختار ما حكيناه عن الجمهور أنه اشتراها من إبل الصدقة .