واختلف العلماء في المراد بهذه الآية الكريمة ، فقال مالك : هي على التخيير ، فيخير الإمام بين هذه الأمور ، إلا أن يكون المحارب قد قتل فيتحتم قتله ، وقال أبو حنيفة وأبو مصعب المالكي : الإمام بالخيار وإن قتلوا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وآخرون : هي على التقسيم ، فإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ، وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، فإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم [ ص: 311 ] وأرجلهم من خلاف ، فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئا ولم يقتلوا ، طلبوا حتى يعزروا ، وهو المراد بالنفي عندنا ، قال أصحابنا : لأن ضرر هذه الأفعال مختلف ، فكانت عقوباتها مختلفة ، ولم تكن للتخيير ، وتثبت أحكام المحاربة في الصحراء ، وهل تثبت في الأمصار ؟ فيه خلاف ، قال أبو حنيفة : لا تثبت ، وقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : تثبت ، قال القاضي عياض رضي الله عنه : واختلف العلماء في معنى حديث العرنيين هذا ، فقال بعض السلف : كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة فهو منسوخ ، وقيل : ليس منسوخا ، وفيهم نزلت آية المحاربة وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ما فعل قصاصا ; لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك ، وقد رواه مسلم في بعض طرقه ، ورواه ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة وأهل السير nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وقال بعضهم : النهي عن المثلة نهي تنزيه ليس بحرام .
وأما قوله : ( يستسقون فلا يسقون ) فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ، ولا نهى عن سقيهم . قال القاضي : وقد أجمع المسلمون على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع الماء قصدا فيجمع عليه عذابان ، قلت : قد ذكر في هذا الحديث الصحيح أنهم قتلوا الرعاة ، وارتدوا عن الإسلام ، وحينئذ لا يبقى لهم حرمة في سقي الماء ولا غيره ، وقد قال أصحابنا : لا يجوز لمن معه من الماء ما يحتاج إليه للطهارة أن يسقيه لمرتد يخاف الموت من العطش ، ويتيمم ، ولو كان ذميا أو بهيمة وجب سقيه ، ولم يجز الوضوء به حينئذ . والله أعلم .
قوله : ( إن ناسا من عرينة ) هي بضم العين المهملة وفتح الراء وآخرها نون ثم هاء وهي قبيلة معروفة .
قوله : ( قدموا المدينة فاجتووها ) هي بالجيم والمثناة فوق ، ومعناه : استوخموها كما فسره في الرواية الأخرى أي : لم توافقهم ، وكرهوها لسقم أصابهم ، قالوا : وهو مشتق من الجوى ، وهو داء في الجوف .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506356إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها فافعلوا فصحوا ) في هذا الحديث أنها إبل الصدقة ، وفي غير مسلم : أنها لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلاهما صحيح ، فكان بعض الإبل للصدقة ، وبعضها للنبي صلى الله عليه وسلم . واستدل أصحاب مالك وأحمد بهذا الحديث أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهران ، وأجاب أصحابنا وغيرهم من القائلين بنجاستهما بأن شربهم الأبوال كان للتداوي ، وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات ، فإن قيل : كيف أذن لهم في شرب لبن الصدقة ؟ فالجواب : أن ألبانها للمحتاجين من المسلمين وهؤلاء إذ ذاك منهم .
قوله : ( ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم ) وفي بعض الأصول المعتمدة ( الرعاء ) وهما لغتان ، يقال راع ورعاة كقاض وقضاة ، وراع ورعاء بكسر الراء وبالمد ، مثل : صاحب وصحاب .
قوله : ( وسمل أعينهم ) هكذا هو في معظم النسخ ( سمل ) باللام ، وفي بعضها ( سمر ) بالراء [ ص: 312 ] والميم مخففة ، وضبطناه في بعض المواضع في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ( سمر ) بتشديد الميم ، ومعنى سمل باللام نقاها وأذهب ما فيها ، ومعنى سمر بالراء : كحلها بمسامير محمية ، وقيل : هما بمعنى .