أما قوله : ( بغرة : عبد ) فضبطناه على شيوخنا في الحديث والفقه بغرة بالتنوين ، وهكذا قيده جماهير العلماء في كتبهم ، وفي مصنفاتهم في هذا ، وفي شروحهم . وقال القاضي عياض : الرواية فيه ( بغرة ) بالتنوين ، وما بعده بدل منه ، قال : ورواه بعضهم بالإضافة ، قال : والأول أوجه وأقيس . وذكر صاحب المطالع الوجهين ثم قال : الصواب رواية التنوين ، قلنا : ومما يؤيده ويوضحه رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه في كتاب الديات في باب دية جنين المرأة عن المغيرة بن شعبة ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=3506389قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة عبدا أو أمة " قال العلماء : و ( أو ) هنا للتقسيم لا للشك ، والمراد بالغرة عبد أو أمة ، وهو اسم لكل واحد منهما ، قال الجوهري : كأنه عبر بالغرة عن الجسم كله كما قالوا : أعتق رقبة ، وأصل الغرة بياض في الوجه ، ولهذا قال أبو عمرو : والمراد بالغرة الأبيض منهما خاصة ، قال : ولا يجزي الأسود ، قال : ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدا على شخص العبد والأمة ، لما ذكرها ، ولاقتصر على قوله : ( عبد أو أمة ) هذا قول أبي عمرو ، وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء أنه تجزي فيها السوداء ، ولا تتعين البيضاء ، وإنما المعتبر [ ص: 326 ] عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم ، أو نصف عشر دية الأب ، قال أهل اللغة : الغرة عند العرب أنفس الشيء ، وأطلقت هنا على الإنسان ; لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم . وأما ما جاء في بعض الروايات في غير الصحيح : ( بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل ) فرواية باطلة ، وقد أخذ بها بعض السلف ، وحكي عن طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ومجاهد : أنها عبد أو أمة أو فرس ، وقال داود : كل ما وقع عليه اسم الغرة يجزي .
واتفق العلماء على أن دية الجنين هي الغرة ، سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى ، قال العلماء : وإنما كان كذلك ; لأنه قد يخفى فيكثر فيه النزاع فضبطه الشرع بضابط يقطع النزاع ، وسواء كان خلقه كامل الأعضاء أو ناقصها أو كان مضغة تصور فيها خلق آدمي ، ففي كل ذلك الغرة بالإجماع ، ثم الغرة تكون لورثته على مواريثهم الشرعية ، وهذا شخص يورث لا يرث ، ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه رقيق ، فإنه رقيق لا يرث عندنا ، وهل يورث ؟ فيه قولان أصحهما : يورث ، وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير ، وحكى القاضي عن بعض العلماء أن الجنين كعضو من أعضاء الأم فتكون ديته لها خاصة .
واعلم أن المراد بهذا كله إذا انفصل الجنين ميتا أما إذا انفصل حيا ثم مات فيجب فيه كمال دية الكبير ، فإن كان ذكرا وجب مائة بعير ، وإن كان أنثى فخمسون ، وهذا مجمع عليه ، وسواء في هذا كله العمد والخطأ ، ومتى وجبت الغرة فهي على العاقلة ، لا على الجاني ، هذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وسائر الكوفيين - رضي الله عنهم - وقال مالك والبصريون : تجب على الجاني ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وآخرون : يلزم الجاني الكفارة ، وقال بعضهم : لا كفارة عليه ، وهو مذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة رضي الله عنهما . والله أعلم .