قال الزهري - رحمه الله تعالى - : القضاء في الأصل إحكام الشيء والفراغ منه ، ويكون القضاء إمضاء الحكم . ومنه قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل وسمي الحاكم قاضيا ; لأنه يمضي الأحكام ويحكمها ، ويكون ( قضى ) بمعنى أوجب ، فيجوز أن يكون سمي قاضيا لإيجابه الحكم على من يجب عليه ، وسمي حاكما لمنعه الظالم من الظلم ، يقال : حكمت الرجل ، وأحكمته : إذا منعته ، وسميت حكمة الدابة ; لمنعها الدابة من ركوبها رأسها ، وسميت الحكمة حكمة ; لمنعها النفس من هواها .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506445لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه . وفي رواية : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506446أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه ) هكذا روى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم في صحيحيهما مرفوعا من رواية ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا ذكره أصحاب السنن وغيرهم ، قال القاضي عياض - رضي الله عنه - : قال الأصيلي : لا يصح مرفوعا ، إنما هو قول ابن عباس ، كذا رواه أيوب ونافع الجمحي عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن ابن عباس . قال القاضي : قد رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج مرفوعا ، هذا كلام [ ص: 370 ] القاضي . قلت : وقد رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي بأسانيدهما عن nindex.php?page=showalam&ids=17194نافع بن عمر الجمحي عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وجاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره بإسناد حسن أو صحيح زيادة " nindex.php?page=hadith&LINKID=3506447بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر " . وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع ، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه ، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه ، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك . وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه ، لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح ، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه ، وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة .
وفي هذا الحديث دلالة لمذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور من سلف الأمة وخلفها : أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه حق . سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا ، وقال مالك وجمهور أصحابه والفقهاء السبعة فقهاء المدينة : إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد ، فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة .
واختلفوا في تفسير الخلطة فقيل : هي معرفته بمعاملته ومداينته بشاهد أو بشاهدين ، وقيل : تكفي الشبهة ، وقيل : هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله ، وقيل : أن يليق به أن يعامله بمثلها ، ودليل الجمهور حديث الباب ، ولا أصل لاشتراط الخلطة في كتاب ولا سنة ولا إجماع .