قوله : ( هرقل ) بكسر الهاء وفتح الراء وإسكان القاف هذا هو المشهور ، ويقال : هرقل ، بكسر الهاء وإسكان الراء وكسر القاف ، حكاه الجوهري في صحاحه ، وهو اسم علم له ، ولقبه قيصر ، وكذا كل من ملك الروم يقال له : قيصر .
قوله : ( عن أبي سفيان انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يعني الصلح يوم الحديبية ، وكانت الحديبية في أواخر سنة ست من الهجرة .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=202دحية الكلبي ) هو بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان اختلف في الراجحة منهما ، وادعى ابن السكيت أنه بالكسر لا غير ، nindex.php?page=showalam&ids=11971وأبو حاتم السجستاني أنه بالفتح لا غير .
قوله : ( عظيم بصرى ) هي بضم الباء وهي مدينة حوران ، ذات قلعة وأعمال قريبة من طرف [ ص: 448 ] البرية التي بين الشام والحجاز ، والمراد بعظيم بصرى أميرها .
قوله عن هرقل : ( إنه سأل أيهم أقرب نسبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عنه ) قال العلماء : إنما سأل قريب النسب لأنه أعلم بحاله ، وأبعد من أن يكذب في نسبه وغيره ، ثم أكد ذلك فقال لأصحابه : إن كذبني فكذبوه أي لا تستحيوا منه فتسكتوا عن تكذيبه إن كذب .
قوله : ( وأجلسوا أصحابي خلفي ) قال بعض العلماء : إنما فعل ذلك ليكون عليهم أهون في تكذيبه إن كذب ، لأن مقابلته بالكذب في وجهه صعبة بخلاف ما إذا لم يستقبله .
قوله : ( دعا بترجمانه ) هو بضم التاء وفتحها والفتح أفصح ، وهو المعبر عن لغة بلغة أخرى ، والتاء فيه أصلية ، وأنكروا على الجوهري كونه جعلها زائدة .
قوله : ( فهل كان من آبائه ملك ؟ ) هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم . ووقع في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " فهل كان في آبائه من مالك " وروي هذا اللفظ على وجهين :
أحدهما : ( من ) بكسر الميم ، و ( ملك ) بفتحها مع كسر اللام ، والثاني : ( من ) بفتح الميم و ( ملك ) بفتحها على أنه فعل ماض ، وكلاهما صحيح ، والأول أشهر وأصح ، وتؤيده رواية مسلم بحذف ( من ) .
قوله : ( ومن يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ ) يعني بأشرافهم كبارهم وأهل الأحساب فيهم .
قوله : ( سخطة له ) هو بفتح السين ، والسخط كراهة الشيء وعدم الرضا به .
قوله : ( يكون الحرب بيننا وبينه سجالا ) هو بكسر السين أي نوبا ، نوبة لنا ونوبة له ، قالوا : [ ص: 449 ] وأصله من المستقيين بالسجل ، وهي الدلو الملأى ، يكون لكل واحد منهما سجل .
قوله : ( فهل يغدر ؟ ) هو بكسر الدال ، وهو ترك الوفاء بالعهد .
قوله : ( ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها ؟ ) يعني مدة الهدنة والصلح الذي جرى يوم الحديبية .
قوله : ( وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها ) يعني في أفضل أنسابهم وأشرفها ، قيل : الحكمة في ذلك أنه أبعد من انتحاله الباطل ، وأقرب إلى انقياد الناس له .
وأما قوله : ( إن الضعفاء هم أتباع الرسل ) فلكون الأشراف يأنفون من تقدم مثلهم عليهم ، والضعفاء لا يأنفون ، فيسرعون إلى الانقياد واتباع الحق ، وأما سؤاله عن الردة ، فلأن من دخل على بصيرة في أمر محقق لا يرجع عنه بخلاف من دخل في أباطيل .
وأما سؤاله عن الغدر فلأن من طلب حظ الدنيا لا يبالي بالغدر وغيره مما يتوصل به إلى ذلك ، ومن طلب الآخرة لم يرتكب غدرا ولا غيره من القبائح .
قوله : ( وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب ) يعني انشراح الصدور ، وأصله اللطف بالإنسان عند قدومه ، وإظهار السرور برؤيته ، يقال : بش به وتبشبش .
قوله : ( وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ) معناه : يبتليهم الله بذلك ليعظم أجرهم بكثرة صبرهم وبذلهم وسعهم في طاعة الله تعالى .
قوله : ( قلت : يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف ) أما الصلة : فصلة الأرحام ، وكل ما أمر الله به أن يوصل ، وذلك بالبر والإكرام وحسن المراعاة . وأما العفاف : الكف عن المحارم وخوارم المروءة ، قال صاحب المحكم : العفة : الكف عما لا يحل ولا يحمل ، يقال : عف يعف [ ص: 450 ] يعفه وعفافا وعفافة ، وتعفف واستعف ، ورجل عف وعفيف . والأنثى عفيفة ، وجمع العفيف : أعفة وأعفاء .
قوله : ( إن يكن ما يقول حقا إنه نبي ) قال العلماء : هذا الذي قاله هرقل أخذه من الكتب القديمة ، ففي التوراة هذا أو نحوه من علامات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرفه بالعلامات ، وأما الدليل القاطع على النبوة فهو المعجزة الظاهرة الخارقة للعادة ، فهكذا قاله المازري . والله أعلم .
قوله : ( ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ) هكذا هو في مسلم ، ووقع في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " لتجشمت لقاءه " وهو أصح في المعنى ، ومعناه : لتكلفت الوصول إليه وارتكبت المشقة في ذلك ، ولكن أخاف أن أقتطع دونه . ولا عذر له في هذا ; لأنه قد عرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما شح في الملك ، ورغب في الرياسة ، فآثرها على الإسلام ، وقد جاء ذلك مصرحا به في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة ونسأل الله توفيقه .
في هذا الكتاب جمل من القواعد ، وأنواع من الفوائد :
منها : دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم ، وهذا الدعاء واجب ، والقتال قبله حرام إن لم تكن بلغتهم دعوة الإسلام ، وإن كانت بلغتهم فالدعاء مستحب ، هذا مذهبنا وفيه خلاف للسلف سبق بيانه في أول كتاب الجهاد .
ومنها : وجوب العمل بخبر الواحد وإلا فلم يكن في بعثه مع دحية فائدة ، وهذا إجماع من يعتد به .
ومنها : أنه يجوز أن يسافر إلى أرض العدو بالآية والآيتين ونحوهما ، وأن يبعث بذلك إلى الكفار وإنما نهى عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو أي بكله أو بجملة منه ، وذلك أيضا محمول على ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار .
ومنها : أن السنة في المكاتبة والرسائل بين الناس أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول : من زيد إلى عمرو ، وهذه مسألة مختلف فيها ، قال الإمام أبو جعفر في كتابه " صناعة الكتاب " : قال أكثر العلماء : يستحب أن يبدأ بنفسه كما ذكرنا ، ثم روى فيه أحاديث كثيرة وآثارا ، قال : وهذا هو الصحيح عند أكثر العلماء ; لأنه إجماع الصحابة ، قال : وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان ، قال : ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان : إلى فلان من فلان ، ثم روى بإسناده أن nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية nindex.php?page=showalam&ids=15558وبكر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني أنه لا بأس بذلك ، قال : وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ، ولا يكتب لفلان ; لأنه إليه لا له إلا على مجاز ، قال : هذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين .
ومنها التوقي في المكاتبة ، واستعمال الورع فيها ، فلا يفرط ولا يفرط ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " إلى هرقل عظيم الروم " فلم يقل : ملك الروم ، لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ، ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ولاه من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما تنفذه الضرورة ، ولم يقل : إلى هرقل فقط ، بل أتى بنوع من الملاطفة فقال : " عظيم الروم " أي الذي يعظمونه ويقدمونه ، وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وقال تعالى : فقولا له قولا لينا وغير ذلك .
ومنها : استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة ، فإن قوله صلى الله عليه وسلم : ( أسلم تسلم ) في نهاية من الاختصار ، وغاية من الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني ، مع ما فيه من بديع التجنيس وشموله لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل ، وأخذ الديار والأموال ، ومن عذاب الآخرة .
ومنها : البيان الواضح أن من كان سببا لضلالة أو سبب منع من هداية كان آثما لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ) ومن هذا المعنى قول الله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم .
ومنها : استحباب ( أما بعد ) في الخطب والمكاتبات ، وقد ترجم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لهذه بابا في كتاب الجمعة ذكر فيه أحاديث كثيرة .
[ ص: 452 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ) هكذا وقع في هذه الرواية الأولى في مسلم ( الأريسيين ) وهو الأشهر في روايات الحديث وفي كتب أهل اللغة ، وعلى هذا اختلف في ضبطه على أوجه : أحدها بياءين بعد السين ، والثاني بياء واحدة بعد السين ، وعلى هذين الوجهين الهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة ، والثالث : الإريسين بكسر الهمزة وتشديد الراء وبياء واحدة بعد السين ، ووقع في الرواية الثانية في مسلم وفي أول صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ( إثم اليريسيين ) بياء مفتوحة في أوله وبياءين بعد السين .
واختلفوا في المراد بهم على أقوال : أصحها وأشهرها : أنهم الأكارون أي الفلاحون والزراعون ، ومعناه : أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك ، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب ، ولأنهم أسرع انقيادا ، فإذا أسلم أسلموا ، وإذا امتنع امتنعوا ، وهذا القول هو الصحيح ، وقد جاء مصرحا به في رواية رويناها في كتاب دلائل النبوة nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي ، وفي غيره : ( فإن عليك إثم الأكارين ) وفي رواية ذكرها أبو عبيد في كتاب الأموال " وإلا فلا يحل بين الفلاحين وبين الإسلام " وفي رواية ابن وهب : ( وإثمهم عليك ) قال أبو عبيد : ليس المراد بالفلاحين الزراعين خاصة ، بل المراد بهم جميع أهل مملكته ، الثاني أنهم اليهود والنصارى ، وهم أتباع عبد الله بن أريس ، الذي تنسب إليه الأروسية من النصارى ، ولهم مقالة في كتب المقالات ، ويقال لهم : الأروسيون . الثالث : أنهم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ، ويأمرونهم بها .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( أدعوك بدعاية الإسلام ) وهو بكسر الدال أي بدعوته ، وهي كلمة التوحيد ، وقال في الرواية الأخرى التي ذكرها مسلم بعد هذا : ( أدعوك بداعية الإسلام ) وهو بمعنى الأولى ، ومعناها : الكلمة الداعية إلى الإسلام ، قال القاضي : ويجوز أن تكون ( داعية ) هنا بمعنى دعوة كما في قوله تعالى : ليس لها من دون الله كاشفة أي كشف .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( سلام على من اتبع الهدى ) هذا دليل لمن يقول : لا يبتدأ الكافر بالسلام ، وفي المسألة خلاف ، فمذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجمهور أصحابه وأكثر العلماء : أنه لا يجوز للمسلم أن يبتدئ كافرا بالسلام ، وأجازه كثيرون من السلف ، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك ، وستأتي في موضعها إن شاء الله تعالى ، وجوزه آخرون لاستئلاف أو لحاجة إليه أو نحو ذلك .
قوله : ( وكثر اللغط ) هو بفتح الغين وإسكانها وهي الأصوات المختلفة .
[ ص: 453 ] قوله : ( لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ) أما ( أمر ) فبفتح الهمزة وكسر الميم أي عظم ، وأما قوله : ( ابن أبي كبشة ) فقيل : هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى ، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها فشبهوا النبي صلى الله عليه وسلم به لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبشة . روينا عن الزبير بن بكار في كتاب الأنساب قال : ليس مرادهم بذلك عيب النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرادوا بذلك مجرد التشبيه ، وقيل : إن أبا كبشة جد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أمه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وكثيرون : وقيل : هو أبوه من الرضاعة ، وهو الحارث بن عبد العزى السعدي ، حكاه ابن بطال وآخرون ، وقال القاضي عياض : قال nindex.php?page=showalam&ids=13988أبو الحسن الجرجاني : التشابه إنما قالوا ابن أبي كبشة عداوة له صلى الله عليه وسلم فنسبوه إلى نسب له غير نسبه المشهور ، إذ لم يمكنهم الطعن في نسبه المعلوم المشهور ، قال : وقد كان وهب بن عبد مناف بن زهرة جده أبو آمنة يكنى أبا كبشة ، وكذلك عمرو بن زيد بن أسد الأنصاري النجاري أبو سلمى أم عبد المطلب كان يدعى أبا كبشة ، قال : وكان في أجداده أيضا من قبل أمه أبو كبشة ، وهو أبو قبيلة أم وهب بن عبد مناف أبي آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو خزاعي ، وهو الذي كان يعبد الشعرى ، وكان أبوه من الرضاعة يدعى أبا كبشة ، وهو الحارث بن عبد العزى السعدي ، قال القاضي : وقال مثل هذا كله محمد بن حبيب البغدادي ، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=13484ابن ماكولا فقال : وقيل : أبو كبشة عم والد حليمة مرضعته صلى الله عليه وسلم .
قوله : ( إنه ليخافه ملك بني الأصفر ) بنو الأصفر هم الروم ، قال ابن الأنباري سموا به لأن جيشا من الحبشة غلب على بلادهم في وقت ، فوطئ نساءهم فولدن أولادا صفرا من سواد الحبشة وبياض الروم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12352أبو إسحاق بن إبراهيم الحربي : نسبوا إلى الأصفر بن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، قال القاضي : هذا أشبه من قول ابن الأنباري .
قوله : ( مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله ) أما ( حمص ) فغير مصروفة ; لأنها مؤنثة علم عجمية ، وأما إيليا فهو بيت المقدس ، وفيه ثلاث لغات أشهرها : إيلياء بكسر الهمزة واللام وإسكان الياء بينهما وبالمد .
والثانية كذلك إلا أنها بالقصر .
والثالثة : إلياء بحذف الياء الأولى وإسكان اللام وبالمد ، حكاهن صاحب المطالع وآخرون ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12201لأبي يعلى الموصلي في سند ابن عباس ( الإيلياء ) بالألف واللام ، قال صاحب المطالع : قيل : معناه : بيت الله . والله أعلم .
وأما قوله : ( شكرا لما أبلاه الله ) فمعناه : شكرا لما أنعم الله به عليه وأناله إياه ، ويستعمل ذلك في الخير والشر ، قال الله تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة . والله أعلم .