قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506554قال رجل للبراء : يا أبا عمارة فررتم يوم حنين ؟ قال : لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس عليهم سلاح ) هذا الجواب الذي أجاب به البراء - رضي الله تعالى عنه - من بديع الأدب ; لأن تقدير الكلام فررتم كلكم فيقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم وافقهم في ذلك ، فقال البراء : لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن جماعة من الصحابة جرى لهم كذا وكذا . وأما قوله : ( شبان أصحابه ) فهو بالشين وآخره نون جمع شاب ، وقوله : ( أخفاؤهم ) جمع خفيف ، وهم المسارعون المستعجلون ، ووقع هذا الحرف في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي والهروي وغيرهم ( جفاء ) بجيم مضمومة وبالمد وفسره بسرعانهم ، قالوا : تشبيها بجفاء السيل ، وهو غثاؤه ، قال القاضي - رضي الله عنه - : إن صحت هذه الرواية فمعناها ما سبق من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعدوا ، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان ومن في قلبه مرض فشبهه بغثاء السيل . وأما قوله : ( حسرا ) هو بضم الحاء وتشديد السين المفتوحة أي بغير دروع ، وقد فسره بقوله : ( ليس عليهم سلاح ) ، الحاسر : من لا درع عليه .
قوله : ( فرشقوهم رشقا ) هو بفتح الراء وهو مصدر . وأما ( الرشق ) بالكسر فهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة ، وضبط القاضي الرواية هنا بالكسر ، وضبطه غيره بالفتح ، كما ذكرنا أولا ، وهو الأجود ، وإن كانا جيدين ، وأما قوله في الرواية التي بعد هذه : ( فرموه برشق من نبل ) فهو بالكسر لا غير ، والله أعلم .
قال أهل اللغة : يقال : رشقه يرشقه أرشقه ثلاثي ورباعي ، والثلاثي أشهر وأفصح .
قوله : ( فنزل واستنصر ) أي دعا ، ففيه استحباب الدعاء عند قيام الحرب .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506555أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال القاضي عياض : قال [ ص: 459 ] المازري : أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له وهذا مذهب الأخفش ، واحتج به على فساد مذهب الخليل في أنه شعر ، وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه ، واعتمد الإنسان أن يوقعه موزونا مقفى يقصده إلى القافية ، ويقع في ألفاظ العامة كثير من الألفاظ الموزونة ، ولا يقول أحد إنها شعر ، ولا صاحبها شاعر ، وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون كقوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقوله تعالى : نصر من الله وفتح قريب ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا ، لأنه لم تقصد تقفيته وجعله شعرا . قال : وقد غفل بعض الناس عن هذا القول ، فأوقعه ذلك في أن قال : الرواية ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506556أنا النبي لا كذب ) بفتح الباء حرصا منه على أن يفسد الروي ، فيستغني عن الاعتذار ، وإنما الرواية بإسكان الباء ، هذا كلام القاضي عن المازري ، قلت : وقد قال الإمام أبو القاسم علي بن أبي جعفر بن علي السعدي الصقلي المعروف بابن القطاع في كتابه ( الشافي في علم القوافي ) : قدر ـ أي قوم منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل ـ أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : الله مولانا ولا مولى لكم وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506557هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506558أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وأشباه هذا ، قال ابن القطاع : وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين ، وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه ، منها أنه شعر القول وقصده ، وأراده واهتدى إليه ، وأتى به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى ، فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لم يكن شعرا ولا يكون قائله شاعرا بدليل أنه لو قال كلاما موزونا على طريقة العرب ، وقصد الشعر أو أراده ولم يقفه لم يسم ذلك الكلام شعرا ، ولا قائله شاعرا بإجماع العلماء والشعراء ، وكذا لو قفاه وقصد به الشعر ولكن لم يأت به موزونا لم يكن شعرا ، وكذا لو أتى به موزونا مقفى لكن لم يقصد به الشعر لا يكون شعرا ويدل عليه أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما قصدوه ولا أرادوه ، ولا يسمى شعرا ، وإذا تفقد ذلك وجد كثيرا في كلام الناس كما قال بعض السؤال : اختموا صلاتكم بالدعاء والصدقة ، وأمثال هذا كثيرة ، فدل على أن الكلام الموزون لا يكون شعرا إلا بالشروط المذكورة ، وهي القصد وغيره مما سبق ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ، ولا أراده ، فلا يعد شعرا وإن كان موزونا . والله أعلم .
فإن قيل : كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506559أنا ابن عبد المطلب ؟ فانتسب إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك مع أن الافتخار في حق أكثر الناس من عمل الجاهلية ؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر ، لأن أباه عبد الله توفي شابا في حياة أبيه عبد المطلب قبل اشتهار عبد الله ، وكان عبد المطلب مشهورا شهرة ، ( ابن عبد المطلب ) ينسبونه إلى جده لشهرته ، ومنه حديث همام بن ثعلبة في قوله : أيكم ابن عبد المطلب ؟ وقد كان مشتهرا عندهم أن عبد المطلب بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه سيظهر وسيكون شأنه عظيما ، وكان قد أخبره بذلك سيف بن ذي يزن ، وقيل : إن عبد المطلب رأى رؤيا تدل على ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك [ ص: 460 ] مشهورا عندهم ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم تذكيرهم بذلك ، وتنبيههم بأنه صلى الله عليه وسلم لا بد من ظهوره على الأعداء ، وأن العاقبة له ، لتقوى نفوسهم ، وأعلمهم أيضا بأنه ثابت ملازم للحرب ، لم يول مع من ولى ، وعرفهم موضعه ليرجع إليه الراجعون . والله أعلم .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506560أنا النبي لا كذب ) أي أنا النبي حقا ، فلا أفر ولا أزول ، وفي هذا [ ص: 461 ] دليل على جواز قول الإنسان في الحرب : أنا فلان ، وأنا ابن فلان ، ومثله قول سلمة : أنا ابن الأكوع ، وقول علي - رضي الله عنه - : أنا الذي سمتني أمي حيدره ، وأشباه ذلك ، وقد صرح بجوازه علماء السلف ، وفيه حديث صحيح ، قالوا : وإنما يكره قول ذلك على وجه الافتخار كفعل الجاهلية . والله أعلم .