في الحديبية والجعرانة لغتان : التخفيف وهو الأفصح ، والتشديد ، وسبق بيانهما في كتاب الحج .
[ ص: 471 ] قوله : ( هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله ) وفي الرواية الأخرى : ( هذا ما قاضى عليه محمد ) قال العلماء : معنى قاضى هنا فاصل وأمضى أمره عليه ، ومنه قضى القاضي ، أي : فصل الحكم وأمضاه ، ولهذا سميت تلك السنة عام المقاضاة ، وعمرة القضية ، وعمرة القضاء ، كله من هذا ، وغلطوا من قال : إنها سميت عمرة القضاء لقضاء العمرة التي صد عنها ; لأنه لا يجب قضاء المصدود عنها إذا تحلل بالإحصار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك العام .
وفي هذا الحديث دليل على أنه يجوز أن يكتب في أول الوثائق وكتب الإملاك والصداق والعتق والوقف والوصية ونحوها ( هذا ما اشترى فلان ، أو هذا ما أصدق ، أو وقف ، أو أعتق ، ونحوه ) وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور من العلماء وعليه عمل المسلمين في جميع الأزمان وجميع البلدان من غير إنكار ، قال القاضي عياض - رضي الله عنه - : وفيه دليل على أنه يكتفى في ذلك بالاسم المشهور من غير زيادة خلافا لمن قال لا بد من أربعة : المذكور وأبيه وجده ونسبه .
قوله : ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : امحه ، فقال : ما أنا بالذي أمحاه ) هكذا هو في جميع النسخ ( بالذي أمحاه ) وهي لغة في ( أمحوه ) وهذا الذي فعله علي - رضي الله عنه - من باب الأدب المستحب ; لأنه لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر ، ولو حتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ، ولما أقره النبي صلى الله عليه وسلم على المخالفة .
قوله : ( ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح ) قال nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق السبيعي : ( جلبان السلاح ) هو القراب وما فيه ، و ( الجلبان ) بضم الجيم ، قال القاضي في المشارق : ضبطناه ( جلبان ) بضم الجيم واللام وتشديد الباء الموحدة ، قال : وكذا رواه الأكثرون ، وصوبه nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وغيره ، ورواه بعضهم بإسكان اللام ، وكذا ذكره الهروي ، وصوبه هو وثابت ، ولم يذكر ثابت سواه ، وهو ألطف من الجراب يكون من الأدم ، يوضع فيه السيف مغمدا ، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ، ويعلقه في الرحل ، قال العلماء : وإنما شرطوا هذا لوجهين ، أحدهما : ألا يظهر منه دخول الغالبين القاهرين . والثاني : أنه إن عرض فتنة أو نحوها يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة .
قوله : ( اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ) قال العلماء : سبب هذا التقدير أن المهاجر من مكة لا يجوز له أن يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام ، وهذا أصل في أن الثلاثة ليس لها [ ص: 472 ] حكم الإقامة ، وأما ما فوقها فله حكم الإقامة ، وقد رتب الفقهاء على هذا قصر الصلاة فيمن نوى إقامة في بلد في طريقه ، وقاسوا على هذا الأصل مسائل كثيرة .