قوله : ( فصلينا عندها الغداة بغلس ) فيه استحباب التبكير بالصلاة أول الوقت ، وأنه لا يكره تسمية صلاة الصبح غداة ، فيكون ردا على من قال من أصحابنا : إنه مكروه ، وقد سبق شرح حديث أنس هذا في كتاب المساقاة ، وذكرنا أن فيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة ، وأن إجراء الفرس والإغارة ليس بنقص ولا هادم للمروءة ، بل هو سنة وفضيلة ، وهو من مقاصد القتال .
قوله : ( وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ) هذا مما استدل به أصحاب مالك ومن وافقهم على أن الفخذ ليست عورة من الرجل ، ومذهبنا ومذهب آخرين أنها عورة ، وقد جاءت بكونها عورة أحاديث كثيرة مشهورة ، وتأول أصحابنا حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - هذا على أنه انحسر بغير اختياره لضرورة الإغارة والإجراء ، وليس فيه أنه استدام كشف الفخذ مع إمكان الستر ، وأما قول أنس : ( فإني لأرى بياض فخذه صلى الله عليه وسلم ) فمحمول على أنه وقع بصره عليه فجأة ، لا أنه تعمده ، وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم حسر الإزار ، فمحمولة على أنه انحسر كما في روايةمسلم ، وأجاب بعض أصحاب مالك عن هذا فقال : هو صلى الله عليه وسلم أكرم على الله تعالى من أن يبتليه بانكشاف عورته ، وأصحابنا يجيبون عن هذا بأنه إذا كان بغير اختيار الإنسان فلا نقص عليه فيه ، ولا يمتنع مثله .
قوله : ( الله أكبر خربت خيبر ) فيه استحباب التكبير عند اللقاء ، قال القاضي : قيل : تفاءل بخرابها بما رآه في أيديهم من آلات الخراب من الفوس والمساحي وغيرها ، وقيل : أخذه من اسمها ، والأصح أنه أعلمه الله تعالى بذلك .
قوله : ( محمد ) ( والخميس ) هو الجيش ، وقد فسره بذلك في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قالوا : سمي خميسا لأنه خمسة أقسام : ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وقلب ، قال القاضي : ورويناه برفع ( الخميس ) عطفا على قوله ( محمد ) وبنصبها على أنه مفعول معه .
قوله : ( أصبناها عنوة ) هي بفتح العين ، أي : قهرا لا صلحا ، قال القاضي : قال المازري : ظاهر هذا أنها كلها فتحت عنوة ، وقد روى مالك عن ابن شهاب أن بعضها فتح عنوة ، وبعضها صلحا ، قال : وقد يشكل ما روي في سنن أبي داود أنه قسمها نصفين ، نصفا لنوائبه وحاجته ، ونصفا للمسلمين .
قال : وجوابه ما قال بعضهم أنه كان حولها ضياع وقرى أجلى عنها أهلها ، فكانت خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم وما سواها للغانمين ، فكان قدر الذي خلوا عنه النصف ، فلهذا قسم نصفين ، قال القاضي : في هذا الحديث أن الإغارة على العدو يستحب كونها أول النهار عند الصبح ، لأنه وقت غرتهم وغفلة أكثرهم ، ثم يضيء لهم النهار لما يحتاج إليه ، بخلاف ملاقاة الجيوش ومصاففتهم ومناصبة الحصون ; فإن هذا يستحب كونه بعد الزوال ، ليدوم النشاط ببرد الوقت بخلاف ضده .