أما الحديث الثاني ، وهو حديث طعام جابر ففيه أنواع من الفوائد وجمل من القواعد : منها : الدليل الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تظاهرت أحاديث آحاد بمثل هذا حتى زاد مجموعها على التواتر ، وحصل العلم القطعي بالمعنى الذي اشتركت فيه هذه الآحاد ، وهو انخراق العادة بما أتى به صلى الله عليه وسلم من تكثير الطعام القليل الكثرة الظاهرة ، ونبع الماء وتكثيره ، وتسبيح الطعام وحنين الجذع وغير ذلك مما هو معروف ، وقد جمع ذلك العلماء في كتب دلائل النبوة ، كالدلائل nindex.php?page=showalam&ids=15022للقفال الشاشي وصاحبه nindex.php?page=showalam&ids=14164أبي عبد الله الحليمي ، nindex.php?page=showalam&ids=13933وأبي بكر البيهقي الإمام الحافظ وغيرهم بما هو مشهور ، وأحسنها كتاب nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، فلله الحمد على ما أنعم به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلينا بإكرامه صلى الله عليه وسلم ، وبالله التوفيق .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16001سعيد بن ميناء ) هو بالمد والقصر وقد تقدم بيانه مرات .
قوله : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم خمصا ) هو بفتح الخاء والميم أي رأيته ضامر البطن من الجوع .
قوله : ( فانكفأت إلى امرأتي ) أي انقلبت ورجعت ، ووقع في نسخ ( فانكفيت ) وهو خلاف المعروف في اللغة ، بل الصواب ( انكفأت بالهمز ) . قوله : ( فأخرجت لي جرابا ) وهو وعاء من جلد معروف بكسر الجيم وفتحها ، الكسر أشهر وقد سبق بيانه .
قوله : ( ولنا بهيمة داجن ) هي بضم الباء تصغير ( بهيمة ) وهي الصغيرة من أولاد الضأن ، قال الجوهري : وتطلق على الذكر والأنثى كالشاة والسخلة الصغيرة من أولاد المعز وقد سبق قريبا أن الداجن ما ألف البيوت .
وأما ( فحي هلا ) بتنوين ( هلا ) وقيل : بلا تنوين على وزن علا ويقال : ( حي هل ) فمعناه : عليك بكذا أو ادع بكذا ، قاله أبو عبيد وغيره ، وقيل : معناه : أعجل به ، وقال الهروي : معناه هات وعجل به .
قوله : ( وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس ) إنما فعل هذا لأنه صلى الله عليه وسلم دعاهم فجاءوا تبعا له كصاحب الطعام إذا دعا طائفة يمشي قدامهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحال لا يتقدمهم ، ولا يمكنهم من وطء عقبيه ، وفعله هنا لهذه المصلحة .
قوله : ( حتى جئت امرأتي فقالت : بك وبك ) أي ذمته ودعت عليه ، وقيل : معناه : بك تلحق الفضيحة ، وبك يتعلق الذم . وقيل : معناه : جرى هذا برأيك وسوء نظرك وتسببك .
قوله : ( قد فعلت الذي قلت لي ) معناه : أنى أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة .
قوله : ( ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها ، وبارك ، ثم قال : ادعي خابزة فلتخبز معك ) هذه اللفظة وهي ( ادعي ) وقعت في بعض الأصول ، هكذا ( ادعي ) بعين ثم ياء وهو الصحيح الظاهر ؛ لأنه خطاب للمرأة ، ولهذا قال : فلتخبز معك ) وفي بعضها ( ادعوني ) بواو ونون ، وفي بعضها ( ادعني ) وهما أيضا صحيحان ، وتقديره : اطلبوا واطلب لي خابزة .
[ ص: 188 ] وقوله : ( عمد ) بفتح الميم .
قوله : ( بصق ) هكذا هو في أكثر الأصول ، وفي بعضها ( بسق ) وهي لغة قليلة ، والمشهور : بصق وبزق ، وحكى جماعة من أهل اللغة : بسق ، لكنها قليلة كما ذكرنا .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( واقدحي من برمتكم ) أي اغرفي ، والقدح : المغرفة ، يقال : قدحت المرق أقدحه ـ بفتح الدال ـ غرفته .
قوله : ( وهم ألف ، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجينتنا لتخبز كما هو ) قوله : ( تركوه وانحرفوا ) أي شبعوا وانصرفوا ، وقوله : ( تغط ) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء ، أي تغلي ، ويسمع غليانها ، وقوله : ( كما هو ) يعود إلى العجين . وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة : أحدهما : تكثير الطعام القليل ، والثاني : علمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر فيكفي ألفا وزيادة ، فدعا له ألفا قبل أن يصل إليه ، وقد علم أنه صاع شعير وبهيمة . والله أعلم .