واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب ؟ فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم ، وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب ، والصواب التفصيل ، فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ، ويحصل الرضا بتصريحهم به ، أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقينا أو ظنا قويا أنهم يرضون به ، ومتى شك في رضاهم فهو حرام ، وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده ، فإن قرن بغير رضاه فحرام ، ويستحب أن يستأذن الآكلين معه [ ص: 197 ] ولا يجب .
وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران ، ثم إن كان في الطعام قلة فحسن ألا يقرن لتساويهم ، وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه ، لكن الأدب مطلقا : التأدب في الأكل وترك الشره ، إلا أن يكون مستعجلا ، ويريد الإسراع لشغل آخر كما سبق في الباب قبله ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : إنما كان هذا في زمنهم ، وحين كان الطعام ضيقا ، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن ، وليس كما قال ، بل الصواب ما ذكرنا من التفصيل ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لو ثبت السبب ، كيف وهو غير ثابت . والله أعلم .
وقوله : ( أصاب الناس جهد ) يعني قلة وحاجة ومشقة .
وقوله : ( يقرن ) أي يجمع وهو بضم الراء وكسرها لغتان .
وقوله : ( نهى عن الإقران ) هكذا هو في الأصول ، والمعروف في اللغة القران ، يقال : قرن بين الشيئين ، قالوا : ولا يقال : أقرن .
وقوله : ( قال شعبة : لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر ) يعني بالكلمة الكلام ، وهو شائع معروف ، وهذا الذي قاله شعبة لا يؤثر في رفع الاستئذان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نفاه بظن وحسبان ، وقد أثبته سفيان في الرواية الثانية فثبت .
[ ص: 198 ] وفي إسناده عبد الله بن مسلمة عن يعقوب بن محمد بن طحلاء عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمهم عائشة . أما طحلاء فبفتح الطاء وإسكان الحاء المهملتين وبالمد ، وأما أبو الرجال فلقب له لأنه كان له عشرة أولاد رجال ، وأمه nindex.php?page=showalam&ids=16693عمرة بنت عبد الرحمن ، وهذا الإسناد كله مدنيون .