فيه ( حرملة التجيبي ) هو بضم التاء وفتحها ، وقد تقدم بيانه في أول الكتاب في مواضع . والله أعلم .
قوله : ( عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران أخبره ) هؤلاء ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض ، و ( حمران ) بضم الحاء ، قوله : ( فغسل كفيه ثلاث مرات ) هذا دليل على أن غسلهما في أول الوضوء سنة ، وهو كذلك باتفاق العلماء .
وقوله : ( ثم تمضمض واستنثر ) قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون : الاستنثار هو : إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق ، وقال ابن الأعرابي وابن قتيبة : الاستنثار : الاستنشاق ، والصواب الأول ، ويدل عليه الرواية الأخرى : ( استنشق واستنثر ) فجمع بينهما . قال أهل اللغة : هو مأخوذ من ( النثرة ) وهي طرف الأنف ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره : هي الأنف ، والمشهور الأول ، قال الأزهري : روى سلمة عن الفراء أنه يقال : نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة . والله أعلم .
وأما حقيقة المضمضة ; فقال أصحابنا : كمالها أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجه ، وأما أقلها فأن يجعل الماء في فيه ، ولا يشترط إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور ، وقال جماعة من أصحابنا : يشترط ، وهو مثل الخلاف في مسح الرأس أنه لو وضع يده المبتلة على رأسه ولم يمرها هل يحصل المسح ؟ والأصح الحصول ، كما يكفي إيصال الماء إلى باقي الأعضاء من غير ذلك ، وأما الاستنشاق فهو إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه ، ويستحب المبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما فيكره ذلك ; لحديث لقيط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3504408وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ، وهو حديث صحيح رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة ، قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح ، قال أصحابنا : وعلى أي صفة وصل الماء إلى الفم والأنف ; حصلت المضمضة والاستنشاق . وفي الأفضل خمسة أوجه الأول : يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها ، والوجه الثاني : يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا ، والوجه الثالث : يجمع أيضا بغرفة ، ولكن يتمضمض منها ، ثم يستنشق ، ثم يتمضمض منها ، ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ، ثم يستنشق ، والرابع : يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من إحداهما ثلاثا ، ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا ، والخامس : يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث غرفات ، ثم يستنشق بثلاث غرفات .
والصحيح الوجه الأول ، وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما . وأما حديث الفصل فضعيف ، فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات كما ذكرنا لحديث nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد المذكور في الكتاب ، واتفقوا على أن المضمضة على كل قول مقدمة على الاستنشاق وعلى كل صفة ، وهل هو تقديم استحباب أو اشتراط فيه وجهان : أظهرهما اشتراط لاختلاف العضوين ، والثاني : استحباب كتقديم يده اليمنى على اليسرى . والله أعلم .
وأجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين واستيعاب جميعهما بالغسل ، وانفردت الرافضة عن العلماء فقالوا : الواجب في الرجلين المسح ، وهذا خطأ منهم ، فقد تظاهرت النصوص بإيجاب غسلهما ، وكذلك اتفق كل من نقل وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه غسلهما ، وأجمعوا على وجوب مسح الرأس ، واختلفوا في قدر الواجب فيه ; فذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في جماعة إلى أن الواجب ما يطلق عليه الاسم ولو شعرة واحدة ، وذهب مالك وأحمد وجماعة إلى وجوب استيعابه ، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في رواية : الواجب ربعه ، واختلفوا في وجوب المضمضة والاستنشاق على أربعة مذاهب أحدها : مذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما أنهما سنتان في الوضوء والغسل ، وذهب إليه من السلف nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ، وهو رواية عن عطاء وأحمد ، والمذهب الثاني : أنهما واجبتان في الوضوء والغسل لا يصحان إلا بهما ، وهو المشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى وحماد nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ورواية عن عطاء ، والمذهب الثالث : أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ، والمذهب الرابع : أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل ، والمضمضة سنة فيهما ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور وأبي عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود الظاهري وأبي بكر بن المنذر ورواية عن أحمد . والله أعلم .
واتفق الجمهور على أنه يكفي [ ص: 462 ] في غسل الأعضاء في الوضوء والغسل جريان الماء على الأعضاء . ولا يشترط الدلك ، وانفرد مالك والمزني باشتراطه . والله أعلم .
واتفق الجماهير على وجوب غسل الكعبين والمرفقين وانفرد زفر nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود الظاهري بقولهما : لا يجب . والله أعلم .
واتفق العلماء على أن المراد بالكعبين : العظمان الناتئان بين الساق والقدم وفي كل رجل كعبان ، وشذت الرافضة فقالت : في كل رجل كعب وهو العظم الذي في ظهر القدم ، وحكي هذا عن محمد بن الحسن ، ولا يصح عنه ، وحجة العلماء في ذلك نقل أهل اللغة والاشتقاق ، وهذا الحديث الصحيح الذي نحن فيه وهو قوله ( فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ورجله اليسرى كذلك ) فأثبت في كل رجل كعبين والأدلة في المسألة كثيرة ، وقد أوضحتها بشواهدها وأصولها في المجموع في شرح المهذب ، وكذلك بسطت فيه أدلة هذه المسائل واختلاف المذاهب وحجج الجميع من الطوائف وأجوبتها والجمع بين النصوص المختلفة فيها ، وأطنبت فيها غاية الإطناب ، وليس مرادي هنا إلا الإشارة إلى ما يتعلق بالحديث . والله أعلم .
وقال أصحابنا : ولو خلق للإنسان وجهان وجب غسلهما ، ولو خلق له ثلاثة أيد أو أرجل أو أكثر وهي متساويات وجب غسل الجميع ، وإن كانت اليد الزائدة ناقصة وهي نابتة في محل الفرض وجب غسلها مع الأصلية ، وإن كانت نابتة فوق المرفق ولم تحاذ محل الفرض لم يجب غسلها ، وإن حاذته وجب غسل المحاذي خاصة على المذهب الصحيح المختار ، وقال بعض أصحابنا : لا يجب ، ولو قطعت يده من فوق المرفق فلا فرض عليه فيها ، ويستحب أن يغسل بعض ما بقي لئلا يخلو العضو من طهارة ، فلو قطع بعض الذراع وجب غسل باقيه . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من توضأ نحو وضوئي nindex.php?page=hadith&LINKID=3504412هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ) إنما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( نحو وضوئي ) ولم يقل ( مثل ) ; لأن حقيقة مماثلته - صلى الله عليه وسلم - لا يقدر عليها غيره ، والمراد بالغفران : الصغائر دون الكبائر ، وفيه : استحباب صلاة ركعتين فأكثر عقب كل وضوء وهو سنة مؤكدة ، قال جماعة من أصحابنا : ويفعل هذه الصلوات في أوقات النهي وغيرها لأن لها سببا ، واستدلوا بحديث بلال - رضي الله عنه - المخرج في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : أنه كان متى توضأ صلى وقال : إنه أرجى عمل له ، ولو صلى فريضة أو نافلة مقصودة حصلت له هذه الفضيلة كما تحصل تحية المسجد بذلك . والله أعلم .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحدث فيهما نفسه ) ، فالمراد لا يحدث بشيء من أمور الدنيا وما لا يتعلق بالصلاة ، ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفي عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله تعالى ; لأن هذا ليس من فعله ، وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر ، وقد تقدم بيان هذه القاعدة في كتاب الإيمان . والله تعالى أعلم .
وقد قال معنى ما ذكره الإمام أبو عبد الله المازري وتابعه عليه القاضي عياض فقال : يريد بحديث النفس : الحديث المجتلب [ ص: 463 ] والمكتسب ، وأما ما يقع في الخواطر غالبا فليس هو المراد ، قال : وقوله : ( يحدث نفسه ) فيه إشارة إلى أن ذلك الحديث مما يكتسب لإضافته إليه ، قال القاضي عياض . وقال بعضهم : هذا الذي يكون بغير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة ويكون دون صلاة من لم يحدث نفسه بشيء لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ضمن الغفران لمراعي ذلك لأنه قل من تسلم صلاته من حديث النفس ، وإنما حصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى لم يشتغل عنها طرفة عين ، وسلم من الشيطان باجتهاده وتفريغه قلبه . هذا كلام القاضي والصواب ما قدمته . والله أعلم .
قوله : ( قال ابن شهاب : وكان علماؤنا يقولون هذا أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة ) معناه هذا أتم الوضوء ، وقد أجمع العلماء على كراهة الزيادة على الثلاث ، والمراد بالثلاث المستوعبة للعضو ، وأما إذا لم تستوعب العضو إلا بغرفتين فهي غسلة واحدة ، ولو شك هل غسل ثلاثا أم اثنتين ؟ جعل ذلك اثنتين وأتى بثالثة ، هذا هو الصواب الذي قاله الجماهير من أصحابنا ، وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا : يجعل ذلك ثلاثا ولا يزيد عليها مخافة من ارتكاب بدعة بالرابعة ، والأول هو الجاري على القواعد ، وإنما تكون الرابعة بدعة ومكروهة إذا تعمد كونها رابعة . والله أعلم .
وقد يستدل بقول ابن شهاب هذا من يكره غسل ما فوق المرفقين والكعبين ، وليس ذلك بمكروه عندنا بل هو سنة محبوبة ، وسيأتي بيانها في بابها إن شاء الله تعالى ، ولا دلالة في قول ابن شهاب على كراهته ; فإن مراده العدد كما قدمناه ، ولو صرح ابن شهاب أو غيره بكراهة ذلك كانت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة مقدمة عليه والله أعلم .