قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ) أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع ، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة . والسنة أن يسلم ، ويستأذن ثلاثا ، فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن .
واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان ، أو تقديم الاستئذان ثم السلام ؟ الصحيح الذي جاءت به السنة ، وقاله المحققون [ ص: 309 ] ، أنه يقدم السلام ، فيقول : السلام عليكم أأدخل ؟ والثاني يقدم الاستئذان . والثالث وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام ، وإلا قدم الاستئذان . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان في تقديم السلام . أما إذا استأذن ثلاثا فلم يؤذن له ، وظن أنه لم يسمعه ، ففيه ثلاثة مذاهب : أشهرها أنه ينصرف ، ولا يعيد الاستئذان . والثاني يزيد فيه . والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده ، وإن كان بغيره أعاده . فمن قال بالأظهر فحجته قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ( فلم يؤذن له فليرجع ) . ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن . والله أعلم .
قوله : ( قال عمر : أقم عليه البينة ، وإلا أوجعتك ، فقال أبي بن كعب : لا يقوم معه إلا أصغر القوم قال أبو سعيد : قلت : أنا أصغر القوم فأذهب به ) معنى كلام أبي بن كعب رضي الله عنه الإنكار على عمر في إنكاره الحديث .
وأما قوله : ( لا يقوم معه إلا أصغر القوم ) فمعناه أن هذا حديث مشهور بيننا ، معروف لكبارنا وصغارنا ، حتى إن أصغرنا يحفظه ، وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد تعلق بهذا الحديث من يقول : لا يحتج بخبر الواحد ، وزعم أن عمر رضي الله عنه رد حديث أبي موسى هذا لكونه خبر واحد ، وهذا مذهب باطل ، وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ، ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصر .
وأما قول عمر لأبي موسى : ( أقم عليه البينة ) فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد ، ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل ، وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى لا شكا في رواية أبي موسى ، [ ص: 310 ] فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، بل أراد زجر غيره بطريقه ، فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته ، وكان في قلبه مرض ، أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى ، فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين .
ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث ، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد ، وكذا ما زاد حتى يبلغ التواتر ، فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد . ومما يؤيده أيضا ما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة من قضية أبي موسى هذه أن أبيا رضي الله عنه قال : ( يا ابن الخطاب ، فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سبحان الله ، إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت ) . والله أعلم .