قوله صلى الله عليه وسلم : ( فرأى فرجة في الحلقة فدخل فيها ) الفرجة بضم الفاء وفتحها لغتان ، وهي الخلل بين الشيئين ، ويقال لها أيضا فرج ، ومنه قوله تعالى : وما لها من فروج جمع فرج .
وأما الفرجة بمعنى الراحة من الغم فذكر الأزهري فيها فتح الفاء وضمها وكسرها ، وقد فرج له في الحلقة والصف ونحوهما بتخفيف الراء يفرج بضمها . وأما الحلقة فبإسكان اللام على المشهور ، وحكى الجوهري فتحها ، وهي لغة رديئة .
[ ص: 333 ] قوله صلى الله عليه وسلم ( أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله ) لفظة ( أوى ) بالقصر ، و ( آواه ) بالمد هكذا الرواية ، وهذه هي اللغة الفصيحة ، وبها جاء القرآن أنه إذا كان لازما كان مقصورا وإن كان متعديا كان ممدودا قال الله تعالى أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة وقال تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف وقال في المتعدي : وآويناهما إلى ربوة وقال تعالى : ألم يجدك يتيما فآوى .
قال القاضي : وحكى بعض أهل اللغة فيهما جميعا لغتين : القصر والمد ، فيقال : أويت إلى الرجل بالقصر والمد وآويته بالمد والقصر ، والمشهور الفرق كما سبق . قال العلماء : معنى أوى إلى الله أي لجأ إليه . قال القاضي : وعندي أن معناه هنا دخل مجلس ذكر الله تعالى ، أو دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجمع أوليائه ، وانضم إليه ، ومعنى آواه الله أي قبله وقربه ، وقيل : معناه رحمه أو آواه إلى جنته أي كتبها له .
قوله صلى الله عليه وسلم ( وأما الآخر فاستحى فاستحى الله منه ) أي ترك المزاحمة والتخطي حياء من الله تعالى ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم والحاضرين ، أو استحياء منهم أن يعرض ذاهبا كما فعل الثالث ، فاستحى الله منه أي رحمه ولم يعذبه ، بل غفر ذنوبه ، وقيل : جازاه بالثواب . قالوا : ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول في الفضيلة الذي آواه وبسط له اللطف وقربه . وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه أي لم يرحمه ، وقيل : سخط عليه ، وهذا محمول على أنه ذهب معرضا لا لعذر وضرورة .
قوله صلى الله عليه وسلم في الثاني : ( وأما الآخر فاستحى ) هذا دليل اللغة الفصيحة الصحيحة أنه يجوز في الجماعة أن يقال في غير الأخير منهم الآخر ، فيقال : حضرني ثلاثة : أما أحدهم فقرشي ، وأما الآخر فأنصاري ، وأما الآخر فتميمي . وقد زعم بعضهم أنه لا يستعمل الآخر إلا في الآخر خاصة ، وهذا الحديث صريح في الرد عليه . والله أعلم .