قوله ( عن أسماء إنها كانت تعلف فرس زوجها الزبير ، وتكفيه مؤنته ، وتسوسه ، وتدق النوى لناضحه ، وتعلفه ، وتستقي الماء ، وتعجن ) هذا كله من المعروف والمروءات التي أطبق الناس عليها ، وهو أن المرأة تخدم زوجها بهذه الأمور المذكورة ونحوها من الخبز والطبخ وغسل الثياب وغير ذلك ، وكله تبرع من المرأة وإحسان منها إلى زوجها وحسن معاشرة وفعل معروف معه ، ولا يجب عليها شيء من ذلك ، بل لو امتنعت من جميع هذا لم تأثم ، ويلزمه هو تحصيل هذه الأمور لها ، ولا يحل له إلزامها بشيء من هذا ، وإنما تفعله المرأة تبرعا ، وهي عادة جميلة استمر عليها النساء من الزمن الأول إلى الآن ، وإنما الواجب على المرأة شيئان : تمكينها زوجها من نفسها ، وملازمة بيته .
قولها : ( وأخرز غربه ) هو بغين معجمة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ، وهو الدلو الكبير . [ ص: 338 ] قولها : ( وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي ، وهو على ثلثي فرسخ ) قال أهل اللغة : يقال : أقطعه إذا أعطاه قطيعة ، وهي قطعة أرض ، سميت قطيعة لأنها اقتطعها من جملة الأرض .
وقوله : ( على ثلثي فرسخ ) أي من مسكنها بالمدينة ، وأما الفرسخ فهو ثلاثة أميال ، والميل ستة آلاف ذراع ، والذراع أربع وعشرون أصبعا معترضة معتدلة ، والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات . وفي هذا دليل لجواز إقطاع الإمام . فأما الأرض المملوكة لبيت المال فلا يملكها أحد إلا بإقطاع الإمام ، ثم تارة يقطع رقبتها ، ويملكها الإنسان يرى فيه مصلحة ، فيجوز ، ويملكها كما يملك ما يعطيه من الدراهم والدنانير وغيرها إذا رأى فيه مصلحة ، وتارة يقطعه منفعتها ، فيستحق الانتفاع بها مدة الإقطاع . وأما الموات فيجوز لكل أحد إحياؤه ، ولا يفتقر إلى إذن الإمام . هذا مذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والجمهور ، وقال أبو حنيفة : لا يملك الموات بالإحياء إلا بإذن الإمام .
وأما قولها : ( وكنت أنقل النوى من أرض الزبير ) فأشار القاضي إلى أن معناه أنها تلتقطه من النوى الساقط فيها مما أكله الناس وألقوه قال : ففيه جواز التقاط المطروحات رغبة عنها كالنوى ، والسنابل ، وخرق المزابل ، وسقاطتها ، وما يطرحه الناس من رديء المتاع ، ورديء الخضر ، وغيرها مما يعرف أنهم تركوه رغبة عنه ، فكل هذا يحل التقاطه ، ويملكه الملتقط ، وقد لقطه الصالحون وأهل الورع ، ورأوه من الحلال المحض ، وارتضوه لأكلهم ولباسهم .
قولها : ( فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه فدعاني وقال : إخ إخ ليحملني خلفه ، فاستحييت ، وعرفت غيرتك ) أما لفظة إخ إخ فهي بكسر الهمزة وإسكان الخاء المعجمة ، وهي كلمة تقال للبعير ليبرك . وفي هذا الحديث جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة ، وله نظائر كثيرة في الصحيح سبق بيانها في مواضعها . وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على المؤمنين والمؤمنات ورحمتهم ومواساتهم فيما أمكنه . وفيه جواز إرداف المرأة التي ليست محرما إذا وجدت في طريق قد أعيت ، لا سيما مع جماعة رجال صالحين ، ولا شك في جواز مثل هذا . وقال القاضي عياض : هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره ، فقد أمرنا بالمباعدة من أنفاس الرجال والنساء ، وكانت عادته صلى الله عليه وسلم مباعدتهن لتقتدي به أمته ، قال : وإنما كانت هذه خصوصية له لكونها بنت أبي بكر ، وأخت عائشة ، وامرأة الزبير ، فكانت كإحدى أهله [ ص: 339 ] ونسائه ، مع ما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه . وأما إرداف المحارم فجائز بلا خلاف بكل حال .
قولها : ( أرسل إلي بخادم ) أي جارية تخدمني ، يقال للذكر والأنثى خادم بلا هاء .