قوله : ( إن يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة ، فأكل منها ، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألها عن ذاك قالت : أردت لأقتلك قال : ( وما كان الله ليسلطك على ذاك قال : أو قال : علي ، قالوا : ألا نقتلها ؟ . قال : لا . قال : فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي الرواية الأخرى : ( جعلت سما في لحم ) أما ( السم ) فبفتح السين وضمها وكسرها ، ثلاث لغات ، الفتح أفصح ، جمعه سمام وسموم . وأما ( اللهوات ) فبفتح اللام والهاء جمع لهاة بفتح اللام ، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك . قاله الأصمعي ، وقيل : اللحمات اللواتي في سقف أقصى الفم .
وقوله : ( ما زلت أعرفها ) أي العلامة ، كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره . وقولهم : ( ألا نقتلها ) هي بالنون في أكثر النسخ ، وفي بعضها بتاء الخطاب .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الله ليسلطك على ذاك أو قال : علي ) فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم كما قال الله : والله يعصمك من الناس وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته من السم المهلك لغيره ، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة ، وكلام عضو منه له ، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الذراع تخبرني أنها مسمومة ) وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم [ ص: 350 ] اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي ، روينا تسميتها هذه في مغازي nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، ودلائل النبوة nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي .
قال القاضي عياض : واختلف الآثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فوقع في صحيح مسلم ( أنهم قالوا : ألا نقتلها ؟ قال : لا ) ومثله عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وجابر ، وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قتلها . وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء nindex.php?page=showalam&ids=1054بشر بن البراء بن معرور ، وكان أكل منها فمات بها ، فقتلوها . وقال ابن سحنون : أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها .
قال القاضي : وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولا [ ص: 351 ] حين اطلع على سمها . وقيل له : اقتلها فقال : لا ، فلما مات nindex.php?page=showalam&ids=1054بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا ، فيصبح قولهم : لم يقتلها أي في الحال ، ويصح قولهم : قتلها أي بعد ذلك . والله أعلم .