قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3507056إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار ) . فهذا من بديع الطب عند أهله ، لأن الأمراض الامتلائية دموية ، أو صفراوية ، أو سوداوية ، أو بلغمية ، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم ، وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال بالمسهل اللائق لكل خلط منها ، فكأنه نبه صلى الله عليه وسلم بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على إخراج الدم بها ، وبالفصد ، ووضع العلق ، وغيرها مما في معناها ، وذكر الكي لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها ، فآخر الطب الكي .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أحب أن أكتوي ) إشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه ، لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي .
أما ما اعترض به الملحد المذكور فنقول في إبطاله : إن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا [ ص: 361 ] إلى التفصيل ، حتى إن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة ، ثم يصير داء له في الساعة التي تليها بعارض يعرض من غضب يحمي مزاجه ، فيغير علاجه ، أو هواء يتغير ، أو غير ذلك مما لا تحصى كثرته . فإذا وجد الشفاء بشيء في حالة بالشخص لم يلزم منه الشفاء به في سائر الأحوال وجميع الأشخاص .
والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والغذاء والعادة المتقدمة ، والتدبير المألوف ، وقوة الطباع . فإذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة منها الإسهال الحادث من التخم والهيضات ، وقد أجمع الأطباء في مثل هذا على أن علاجه بأن يترك الطبيعة وفعلها ، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية ، فأما حبسها فضرر عندهم ، واستعجال مرض ، فيحتمل أن يكون هذا الإسهال للشخص المذكور في الحديث أصابه من امتلاء أو هيضة فدواؤه ترك إسهاله على ما هو ، أو [ ص: 362 ] تقويته . فأمره صلى الله عليه وسلم بشرب العسل فرآه إسهالا . فزاده عسلا إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال ، ويكون الخلط الذي كان يوافقه شرب العسل ، فثبت بما ذكرناه أن العسل جار على صناعة الطب ، وأن المعترض عليه جاهل لها ، ولسنا نقصد الاستظهار لتصديق الحديث بقول الأطباء ، بل لو كذبوه كذبناهم وكفرناهم ، فلو أوجدوا المشاهدة بصحة دعواهم تأولنا كلامه صلى الله عليه وسلم حينئذ ، وخرجناه على ما يصح ، فذكرنا هذا الجواب وما بعده عدة للحاجة إليه إن اعتضدوا بمشاهدة ، وليظهر به جهل [ ص: 363 ] المعترض ، وأنه لا يحسن الصناعة التي اعترض بها وانتسب إليها .
وأما إنكارهم الشفاء من ذات الجنب بالقسط فباطل ؛ فقد قال بعض قدماء الأطباء : إن ذات الجنب إذا حدثت من البلغم كان القسط من علاجها ، وقد ذكر جالينوس وغيره أنه ينفع من وجع الصدر ، وقال بعض قدماء الأطباء : ويستعمل حيث يحتاج إلى إسخان عضو من الأعضاء ، وحيث يحتاج إلى أن يجذب الخلط من باطن البدن إلى ظاهره ، وهكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وغيره ، وهذا يبطل ما زعمه هذا المعترض الملحد .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيه سبعة أشفية ) فقد أطبق الأطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول ، وينفع من السموم ، ويحرك شهوة الجماع ، ويقتل الدود وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل ، ويذهب الكلف إذا طلي عليه ، وينفع من برد المعدة والكبد ، ويردهما ، ومن حمى الورد والربع [ ص: 365 ] ، وغير ذلك ، وهو صنفان بحري وهندي ، والبحري هو القسط الأبيض ، وهو أكثر من صنفين ، ونص بعضهم أن البحري أفضل من الهندي ، وهو أقل حرارة منه ، وقيل : هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة ، والهندي أشد حرا في الجزء الثالث من الحرارة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا : القسط حار في الثالثة يابس في الثانية . فقد اتفق العلماء على هذه المنافع التي ذكرناها في القسط ، فصار ممدوحا شرعا وطبا ، وإنما عددنا منافع القسط من كتب الأطباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر منها عددا مجملا .
وذكر القاضي عياض كلام المازري الذي قدمناه ، ثم قال : وذكر الأطباء في منفعة الحبة السوداء التي هي الشونيز أشياء كثيرة ، وخواص عجيبة ، يصدقها قوله صلى الله عليه وسلم فيها ؛ فذكر جالينوس أنها تحل النفخ ، وتقل ديدان البطن إذا أكل أو وضع على البطن ، وتنفي الزكام إذا قلي وصر في خرقة وشم ، وتزيل العلة التي تقشر منها الجلد ، وتقلع الثآليل المتعلقة والمنكسة والخيلان ، وتدر الطمث المنحبس إذا كان انحباسه من أخلاط غليظة لزجة ، وينفع الصداع إذا طلي به الجبين ، وتقلع البثور والجرب ، وتحلل الأورام البلغمية إذا تضمد به مع الخل ، وتنفع من الماء العارض في العين إذا استعط به مسحوقا بدهن الأرليا ، وتنفع من انتصاب النفس ، ويتمضمض به من وجع الأسنان ، وتدر البول واللبن ، وتنفع من نهشة الرتيلا ، وإذا بخر به طرد الهوام .
قال القاضي : وقال غير جالينوس ؛ خاصيته إذهاب حمى البلغم والسوداء ، وتقتل حب القرع ، وإذا علق في عنق المزكوم نفعه ، وينفع من حمى الربع . قال : ولا يبعد منفعة الحار من أدواء حارة بخواص فيها ، فقد نجد ذلك في أدوية كثيرة ، فيكون الشونيز منها لعموم الحديث ، [ ص: 366 ] ويكون استعماله أحيانا منفردا ، وأحيانا مركبا . قال القاضي : وفي جملة هذه الأحاديث ما حواه من علوم الدين والدنيا ، وصحة علم الطب ، وجواز التطبب في الجملة ، واستحبابه بالأمور المذكورة من الحجامة ، وشرب الأدوية ، والسعوط ، واللدود ، وقطع العروق ، والرقى .