[ ص: 513 ] أما قوله : ( صكه ) فهو بمعنى ( لطمه ) في الرواية الثانية . وفقأ عينه بالهمز . ومتن الثور ظهره . ورمية حجر أي قدر ما يبلغه .
وقوله : ( ثم مه ) هي هاء السكت ، وهو استفهام ، أي ثم ماذا يكون أحياة أم موت ؟ والكثيب : الرمل المستطيل المحدودب . وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم .
قال بعض العلماء : وإنما سأل الإدناء ، ولم يسأل نفس بيت المقدس ، لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس وفي هذا استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة ، والقرب من مدافن الصالحين . والله أعلم .
قال المازري : وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث ، وأنكر تصوره ، قالوا : [ ص: 514 ] كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت ؟ قال : وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة : أحدها أنه لا يمتنع أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم قد أذن الله تعالى له في هذه اللطمة ، ويكون ذلك امتحانا للملطوم ، والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما شاء ، ويمتحنهم بما أراد .
والثاني أن هذا على المجاز ، والمراد أن موسى ناظره وحاجه فغلبه بالحجة ، ويقال : فقأ فلان عين فلان إذا غالبه بالحجة ، ويقال : عورت الشيء إذا أدخلت فيه نقصا قال : وفي هذا ضعف لقوله صلى الله عليه وسلم : " فرد الله عينه " فإن قيل : أراد رد حجته كان بعيدا . والثالث أن موسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أنه ملك من عند الله ، وظن أنه رجل قصده يريد نفسه ، فدافعه عنها ، فأدت المدافعة إلى فقء عينه ، لا أنه قصدها بالفقء ، وتؤيده رواية ( صكه ) ، وهذا جواب الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13114أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين ، واختاره المازري nindex.php?page=showalam&ids=14961والقاضي عياض ، قالوا : وليس في الحديث تصريح بأنه تعمد فقء عينه ، فإن قيل : فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيا بأنه ملك الموت ، فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها أنه ملك الموت ، فاستسلم بخلاف المرة الأولى . والله أعلم .