قوله : ( كذب نوف ) هو جار على مذهب أصحابنا أن الكذب هو الإخبار عن الشيء خلاف ما هو ، عمدا كان أو سهوا ، خلافا للمعتزلة ، وسبقت المسألة في كتاب الإيمان .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى انتهيا إلى الصخرة فعمي عليه ) وقع في بعض الأصول بفتح العين المهملة وكسر الميم ، وفي بعضها بضم العين وتشديد الميم ، وفي بعضها بالغين المعجمة .
[ ص: 525 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( مثل الكوة ) بفتح الكاف ، ويقال : بضمها وهي الطاق كما قال في الرواية الأولى .
قوله : ( مستلقيا على حلاوة القفا ) هي وسط القفا ، ومعناه لم يمل إلى أحد جانبيه ، وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها ، أفصحها الضم ، وممن حكى الكسر صاحب نهاية الغريب ، ويقال أيضا ( حلاوا ) بالفتح ، ( وحلاوى ) بالضم والقصر ، ( وحلواء ) بالمد .
قوله : ( مجيء ما جاء بك ) قال القاضي : ضبطناه " مجيء " مرفوع غير منون عن بعضهم ، وعن بعضهم منونا . قال : وهو أظهر ، أي أمر عظيم جاء بك .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( انتحى عليها ) أي اعتمد على السفينة ، وقصد خرقها . واستدل به العلماء على النظر في المصالح عند تعارض الأمور ، وأنهإذا تعارضت مفسدتان دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما ، كما خرق السفينة لدفع غصبها وذهاب جملتها .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي فقتله ) بادئ بالهمز وتركه . فمن همزه معناه أول [ ص: 526 ] الرأي وابتداؤه أي انطلق إليه مسارعا إلى قتله من غير فكر . ومن لم يهمز فمعناه ظهر له رأي في قتله من البدء ، وهو ظهور رأي لم يكن . قال القاضي ويمد البدء ويقصر .
واختلف العلماء في الابتداء في عنوان الكتاب ، فالصحيح الذي قاله كثيرون من السلف وجاء به الصحيح أنه يبدأ بنفسه ، فيقدمها على المكتوب إليه ، فيقال : من فلان إلى فلان ، ومنه حديث كتاب النبي صلى الله عليه وسلم : " من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم " وقالت طائفة : يبدأ بالمكتوب إليه ، فيقول : إلى فلان من فلان قالوا : إلا أن يكتب الأمير إلى من دونه ، أو السيد إلى عبده ، أو الوالد إلى ولده ونحو هذا .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لكن أخذته من صاحبه ذمامة ) هي بفتح الذال المعجمة أي استحياء لتكرار مخالفته ، وقيل : ملامة ، والأول هو المشهور .
قوله : ( وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا ) قال القاضي : في هذا حجة بينة لأهل السنة لصحة أصل مذهبهم في الطبع والرين والأكنة والأغشية والحجب والسد ، وأشباه هذه الألفاظ الواردة في الشرع في أفعال الله تعالى بقلوب أهل الكفر والضلال ، ومعنى ذلك عندهم خلق الله تعالى فيها ضد الإيمان ، وضد الهدى ، وهذا على أصل أهل السنة أن العبد لا قدرة له إلا ما أراده الله تعالى ، ويسره له ، وخلقه له ، خلافا للمعتزلة والقدرية القائلين بأن للعبد فعلا من قبل نفسه ، وقدرة على الهدى والضلال ، والخير والشر ، والإيمان والكفر ، وأن معنى هذه الألفاظ نسبة الله تعالى لأصحابها وحكمه عليهم بذلك ، وقالت [ ص: 527 ] طائفة منهم : معناها خلقه علامة لذلك في قلوبهم .
والحق الذي لا شك فيه أن الله تعالى يفعل ما يشاء من الخير والشر ، لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون وكما قال تعالى في الذر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=3507255هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ، ولا أبالي " فالذين قضى لهم بالنار طبع على قلوبهم ، وختم عليها ، وغشاها ، وأكنها ، وجعل من بين أيديها سدا ، ومن خلفها سدا وحجابا مستورا ، وجعل في آذانهم وقرا ، وفي قلوبهم مرضا لتتم سابقته فيهم ، وتمضي كلمته ، لا راد لحكمه ، ولا معقب لأمره وقضائه . وبالله التوفيق .
وقد يحتج بهذا الحديث من يقول : أطفال الكفار في النار ، وقد سبق بيان هذه المسألة ، وأن فيهم ثلاثة مذاهب : الصحيح أنهم في الجنة ، والثاني في النار ، والثالث يتوقف عن الكلام فيهم ، فلا يحكم لهم بشيء ، وتقدمت دلائل الجميع . وللقائلين بالجنة أن يقولوا في جواب هذا الحديث معناه علم الله لو بلغ لكان كافرا .