[ ص: 529 ] قال الإمام أبو عبد الله المازري : اختلف الناس في تفضيل بعض الصحابة على بعض ، فقالت طائفة : لا تفاضل ، بل نمسك عن ذلك ، وقال الجمهور بالتفضيل ، ثم اختلفوا ، فقال أهل السنة : أفضلهم أبو بكر الصديق ، وقال الخطابية : أفضلهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وقالت الراوندية : أفضلهم العباس ، وقالت الشيعة : علي واتفق أهل السنة على أن أفضلهم أبو بكر ، ثم عمر . قال جمهورهم : ثم عثمان ، ثم علي . وقال بعض أهل السنة من أهل الكوفة بتقديم علي على عثمان ، والصحيح المشهور تقديم عثمان . قال أبو منصور البغدادي : أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة على الترتيب المذكور ثم تمام العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أحد ، ثم بيعة الرضوان ، وممن له مزية أهل العقبتين من الأنصار ، وكذلك السابقون الأولون ، وهم من صلى إلى القبلتين في قول ابن المسيب وطائفة ، وفي قول الشعبي أهل بيعة الرضوان ، وفي قول عطاء nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب أهل بدر . قال القاضي عياض : وذهبت طائفة ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، إلى أن من توفي من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ممن بقي بعده ، وهذا الإطلاق غير مرض ولا مقبول .
واختلف العلماء في أن التفضيل المذكور قطعي أم لا ؟ وهل هو في الظاهر والباطن أم في الظاهر خاصة ؟ وممن قال بالقطع nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري . قال : وهم في الفضل على ترتيبهم في الإمامة . وممن قال بأنه اجتهادي ظني nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر الباقلاني .
وذكر ابن الباقلاني اختلاف العلماء في أن التفضيل هل هو في الظاهر والباطن جميعا ؟ وكذلك اختلفوا في عائشة nindex.php?page=showalam&ids=10640وخديجة أيتهما أفضل ؟ وفي عائشة وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين .
وأما عثمان رضي الله عنه فخلافته صحيحة [ ص: 530 ] بالإجماع ، وقتل مظلوما ، وقتلته فسقة ؛ لأن موجبات القتل مضبوطة ، ولم يجر منه رضي الله عنه ما يقتضيه ، ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة ، وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل وسفلة الأطراف والأرذال ، تحزبوا وقصدوه من مصر ، فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم ، فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه .
وأما علي رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع ، وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره .
وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء ، والصحابة النجباء رضي الله عنه وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها ، وكلهم عدول رضي الله عنهم ، ومتأولون في حروبهم وغيرها ، ولم يخرج شيء من ذلك أحدا منهم عن العدالة ؛ لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ، ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم .
واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة ، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم ، وصاروا ثلاثة أقسام : قسم ظهر بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ ، فوجب عليهم نصرته ، وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ، ففعلوا ذلك ، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاد .
وقسم عكس هؤلاء ، ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر ، فوجب عليهم مساعدته ، وقتال الباغي عليه .
وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية ، وتحيروا فيها ، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين ، فاعتزلوا الفريقين ، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين ، وأن الحق معه ، لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه .
فكلهم معذورون رضي الله عنهم ، ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم ، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3507256يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) معناه ثالثهما بالنصر والمعونة ، والحفظ والتسديد ، وهو داخل في قوله تعالى : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذا المقام . وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه ، وهي من أجل مناقبه ، والفضيلة من أوجه : منها هذا اللفظ ، ومنها بذله نفسه ، ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله ، وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعاداة الناس فيه . ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك .