وأما الفطرة ; فقد اختلف في المراد بها هنا ; فقال أبو سليمان الخطابي : ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة ، وكذا ذكره جماعة غير nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي قالوا : ومعناه أنها من سنن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وقيل : هي الدين ، ثم إن معظم هذه الخصال ليست بواجبة عند العلماء ، وفي بعضها خلاف في وجوبه كالختان والمضمضة والاستنشاق ، ولا يمتنع قرن الواجب بغيره كما قال الله تعالى : كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده والإيتاء واجب ، والأكل ليس بواجب . والله أعلم .
أما تفصيلها ( فالختان ) واجب عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وكثير من العلماء ، وسنة عند مالك وأكثر العلماء ، وهو عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي واجب على الرجال والنساء جميعا ، ثم إن الواجب في الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى ينكشف جميع الحشفة ، وفي المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج ، والصحيح من مذهبنا الذي عليه جمهور أصحابنا أن الختان جائز في حال الصغر ليس بواجب ، ولنا وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ، ووجه أنه يحرم ختانه قبل عشر سنين ، وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختن في اليوم السابع من ولادته ، وهل يحسب يوم الولادة من السبع ؟ أم تكون سبعة سواه ؟ فيه وجهان أظهرهما يحسب ، واختلف أصحابنا في الخنثى المشكل فقيل : يجب ختانه في فرجيه بعد البلوغ ، وقيل : لا يجوز حتى يتبين ، وهو الأظهر . وأما من له ذكران فإن كانا عاملين وجب ختانهما ، وإن كان أحدهما عاملا دون الآخر ختن العامل ، وفيما يعتبر العمل به وجهان أحدهما : بالبول ، والآخر : بالجماع . ولو مات إنسان غير مختون ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا : الصحيح المشهور : أنه لا يختن صغيرا كان أو كبيرا ، والثاني يختن الكبير دون الصغير ، والله أعلم .
وأما ( الاستحداد ) فهو حلق العانة ، سمي استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى ، وهو سنة ، والمراد به نظافة ذلك الموضع ، والأفضل فيه الحلق ، ويجوز بالقص والنتف والنورة ، والمراد ( بالعانة ) الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه ، وكذاك الشعر الذي حوالي فرج المرأة ، ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر ، فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل [ ص: 493 ] والدبر وحولهما وأما وقت حلقه فالمختار أنه يضبط بالحاجة وطوله ، فإذا طال حلق ، وكذلك الضبط في قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار . وأما حديث أنس المذكور في الكتاب ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3504461وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة لا يترك أكثر من أربعين ليلة ) فمعناه لا يترك تركا يتجاوز به أربعين لا أنهم وقت لهم الترك أربعين . والله أعلم .
وأما ( تقليم الأظفار ) فسنة ليس بواجب ، وهو تفعيل من القلم وهو القطع ، ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ، ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى . والله أعلم .
أما ( نتف الإبط ) فسنة بالاتفاق ، والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه ، ويحصل أيضا بالحلق وبالنورة ، وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - وعنده المزين يحلق إبطه فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : علمت أن السنة النتف ، ولكن لا أقوى على الوجع ، ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن . وأما ( قص الشارب ) فسنة أيضا ، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولي ذلك غيره لحصول المقصود من غير هتك مروءة ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة . وأما حد ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله ، وأما روايات ( أحفوا الشوارب ) فمعناها : أحفوا ما طال على الشفتين والله أعلم .
وأما ( إعفاء اللحية ) فمعناه توفيرها وهو معنى ( أوفوا اللحى ) في الرواية الأخرى ، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك ، وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض إحداها : خضابها بالسواد لا لغرض الجهاد . الثانية : خضابها بالصفرة تشبيها بالصالحين لا لاتباع السنة . الثالثة : تبيضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام أنه من المشايخ ، الرابعة : نتفها أو حلقها أول طلوعها إيثارا للمرودة وحسن الصورة . الخامسة : نتف الشيب : السادسة : تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء وغيرهن . السابعة : الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذار من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك . الثامنة : تسريحها تصنعا لأجل الناس . التاسعة : [ ص: 494 ] تركها شعثة ملبدة إظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه . العاشرة : النظر إلى سوادها وبياضها إعجابا وخيلاء وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا على الشباب . الحادية عشرة : عقدها وضفرها . الثانية عشرة : حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها . والله أعلم . وأما ( الاستنشاق ) فتقدم بيان صفته واختلاف العلماء في وجوبه واستحبابه . وأما ( غسل البراجم ) فسنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء ( البراجم ) بفتح الباء وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها . قال العلماء : ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وهو الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع ، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف ، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما . والله أعلم .
وأما ( انتقاص الماء ) فهو بالقاف والصاد المهملة ، وقد فسره nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع في الكتاب بأنه الاستنجاء ، وقال أبو عبيدة وغيره : منها انتقاص البول بسبب الماء في غسل مذاكيره ، وقيل : هو الانتضاح ، وقد جاء في رواية ( الانتضاح ) بدل انتقاص الماء قال الجمهور : الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس ، وقيل : هو الاستنجاء بالماء ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير أنه روي ( انتفاص الماء ) بالفاء والصاد المهملة ، وقال في فصل الفاء قيل : الصواب أنه بالفاء قال : والمراد نضحه على الذكر من قولهم لنضح الدم القليل نفصه ، وجمعها ( نفص ) وهذا الذي نقله شاذ ، والصواب ما سبق . والله أعلم .
وأما قوله : ( ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) ، فهذا شك منه فيها ، قال القاضي عياض : ولعلها الختان المذكور مع الخمس ، وهو أولى . والله أعلم .
فهذا مختصر ما يتعلق بالفطرة ، وقد أشبعت القول فيها بدلائلها وفروعها في شرح المهذب . والله أعلم .
قال القاضي عياض : قال nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي : في حديث جعفر هذا نظر . قال : وقال أبو عمر - يعني nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر - : لم يروه إلا جعفر بن سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه ، قلت : وقد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به ، وقد تابعه غيره .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3504463أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ) ، وفي الرواية الأخرى ( وأوفوا اللحى ) هو بقطع الهمزة في أحفوا وأعفوا وأوفوا . وقال ابن دريد : يقال أيضا : حفا الرجل شاربه يحفوه حفوا إذا استأصل أخذ شعره ، فعلى هذا تكون همزة أحفوا همزة وصل . وقال غيره : عفوت الشعر وعفيته لغتان ، وقد تقدم [ ص: 495 ] بيان معنى إحفاء الشوارب وإعفاء اللحى . وأما ( أوفوا ) فهو بمعنى أعفوا ، أي اتركوها وافية كاملة لا تقصوها . قال ابن السكيت وغيره : يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وبضمها لغتان ، الكسر أفصح .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وأرخوا ) فهو أيضا بقطع الهمزة وبالخاء المعجمة ، ومعناه اتركوها ولا تتعرضوا لها بتغيير . وذكر القاضي عياض أنه وقع في رواية الأكثرين كما ذكرنا ، وأنه وقع عند ابن ماهان ( أرجوا ) بالجيم قيل : هو بمعنى الأول وأصله ( أرجئوا ) بالهمزة ، فحذفت الهمزة تخفيفا ، ومعناه : أخروها واتركوها ، وجاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3504464وفروا اللحى ) فحصل خمس روايات : أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا ، ومعناها كلها : تركها على حالها . هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه ، وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء . وقال القاضي عياض - رحمه الله - تعالى - يكره حلقها وقصها وتحريقها ، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن ، وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزها . قال : وقد اختلف السلف هل لذلك حد ؟ فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها ، وكره مالك طولها جدا ، ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال ، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة . قال : وأما ( الشارب ) فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه بظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أحفوا وانهكوا ) ، وهو قول الكوفيين ، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال ، وقاله مالك وكان يرى حلقه مثلة ويأمر بأدب فاعله ، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه ، ويذهب هؤلاء إلى أن الإحفاء والجز والقص بمعنى واحد وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة ، وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين . هذا آخر كلام القاضي . والمختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا ، والمختار في الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة . والله أعلم .